يشهد سوق الذهب المصري موجة غير مسبوقة من الارتفاعات الجنونية في الأسعار، ما جعل المعدن الأصفر يتحول من رمز للفرح والزينة إلى كابوس اقتصادي يطارد الشباب، ويضع المزيد من العراقيل أمام تحقيق حلم الزواج والاستقرار. ففي الوقت الذي يكافح فيه المواطن العادي لمواجهة أعباء المعيشة اليومية من ارتفاع أسعار الغذاء والإيجارات والخدمات الأساسية، جاءت أزمة الذهب لتضيف عبئًا جديدًا على كاهل الأسر، وتفاقم حالة الإحباط والاحتقان الاجتماعي.
قفزات سعرية غير مسبوقة
وفقًا لتقارير أسواق الصاغة، تجاوز سعر جرام الذهب عيار 21 – الأكثر تداولًا في مصر – حاجز 3300 جنيه، مقارنة بـ 1800 جنيه قبل عامين فقط، بينما وصل سعر الجرام عيار 24 إلى أكثر من 3800 جنيه، في حين تجاوز الجرام عيار 18 حاجز 2800 جنيه. أما الجنيه الذهب فقد قفز إلى نحو 26 ألف جنيه، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق. ويرجع الخبراء هذه القفزات العنيفة إلى عدة عوامل، أبرزها:
انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بعد موجات متتالية من التعويم، ما جعل الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرين والأفراد.
زيادة الإقبال على الذهب للتحوط من التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية، حيث يسعى المواطنون للحفاظ على قيمة مدخراتهم.
الاضطرابات الاقتصادية والسياسية العالمية التي جعلت أسعار الذهب في الأسواق الدولية ترتفع، ليصل سعر الأوقية عالميًا لأكثر من 2500 دولار.
شباب في مواجهة المستحيل
لم تعد أزمة الذهب مقتصرة على الاستثمار أو الادخار، بل انعكست مباشرة على الحياة الاجتماعية، وخاصة الزواج. ففي ظل الأعراف المصرية التي تعتبر الذهب جزءًا أساسيًا من شبكة العروس، أصبحت التكاليف الخيالية تغلق أبواب الزواج أمام آلاف الشباب.
يقول أحمد عبدالعزيز، شاب في منتصف العشرينات: "كنت مخططًا للزواج هذا العام، لكن بعد ارتفاع أسعار الذهب بهذا الشكل، أصبح من المستحيل شراء الشبكة التي كانت تكلف 20 ألف جنيه وأصبحت الآن أكثر من 60 ألفًا. هل نلغى العادات أم نلغى الزواج نفسه؟"
الأمر لم يقتصر على الشباب، بل طال الأسر التي وجدت نفسها عاجزة عن تجهيز بناتها، حيث لجأ كثيرون إلى شراء الشبكة من الفضة أو الذهب الصيني لتقليل النفقات، في خطوة تعكس حجم الأزمة الاجتماعية التي أحدثها هذا الارتفاع الجنوني.
آراء الخبراء: أسباب الأزمة وحلول غائبة
يؤكد الدكتور هشام إبراهيم، الخبير الاقتصادي، أن أزمة الذهب مرتبطة بشكل مباشر بالسياسات النقدية المتبعة، خاصة الاعتماد على الاستدانة وغياب خطة واضحة لتثبيت سعر الصرف.
ويضيف: "الذهب أصبح وسيلة للتحوط في ظل فقدان الثقة في الجنيه، والحكومة لم تتخذ أي خطوات فعالة لوقف النزيف أو حماية القدرة الشرائية للمواطنين."
من جانبه، يرى عمرو الجنايني، عضو شعبة الذهب، أن الإقبال الكبير على شراء السبائك والجنيهات الذهبية لتخزينها كمدخرات، أدى إلى زيادة الطلب بشكل غير طبيعي، وهو ما رفع الأسعار أكثر.
ويشير إلى أن غياب الرقابة على سوق الصاغة وترك الأسعار للسوق السوداء عزز من الأزمة، مؤكدًا أن الحل يتطلب تدخل الدولة عبر إجراءات قوية لضبط السوق وتوفير بدائل استثمارية آمنة للمواطنين.
أزمة مرشحة للانفجار الاجتماعي
أزمة الذهب ليست مجرد ارتفاع في سلعة كمالية، بل هي انعكاس لأزمة اقتصادية شاملة يعيشها المصريون، حيث تتآكل الدخول وتتصاعد الأسعار في ظل غياب سياسات اقتصادية واضحة.
ومع استمرار انهيار الجنيه وتفاقم التضخم، تبدو أحلام الشباب بالزواج والاستقرار في مهب الريح، مما ينذر بمزيد من التوترات الاجتماعية.
إذا لم يتحرك الشعب للضغط على الحكومة لضبط الأسواق واستعادة التوازن النقدي، فإن الذهب سيظل نارًا تحرق مدخرات الأسر وأحلام جيل بأكمله.