في وقت يترقب فيه المصريون زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة، تتجه حكومة السيسي إلى مزيد من الاقتراض، معلنة عن خطط للتوسع في الديون بنحو 18 مليار دولار إضافية، بينما يقف الشعب عاجزًا أمام موجة غلاء طاحنة وانهيار للخدمات الأساسية. السؤال الذي يفرض نفسه: إلى أين يقود السيسي البلاد وسط هذا النزيف المالي؟
وفقًا لتقارير اقتصادية، تواجه مصر استحقاقات ديون تتجاوز 47 مليار دولار خلال العام الجاري، وهي التزامات ضخمة لا تقابلها أي زيادة في الإنتاج أو الصادرات، ما يعني أن الحكومة ستلجأ إلى جيوب المواطنين لتعويض العجز، سواء عبر الضرائب غير المباشرة أو خفض الدعم ورفع الأسعار. النتيجة المتوقعة: المزيد من الفقر والجوع والمعاناة لملايين المصريين، في وقت تتباهى فيه السلطة بمشاريع وهمية تبتلع المليارات بلا عائد حقيقي.
كيف سيتم اقتراض 18 مليار دولار؟
بينما تستعد حكومة السيسي لاستقبال بعثة صندوق النقد، فتحت الباب أمام عام من الاقتراض الضخم بقيمة نحو 18 مليار دولار. هذه المبلغ يأتي من عدة مصادر:
- صكوك إسلامية (سندات إسلامية): تخطط وزارة المالية لإصدار 2 مليار دولار من تلك السندات خلال 2025 كوسيلة لتمويل العجز واستهداف فئة من المستثمرين المحليين والأجانب.
- استثمارات خليجية مباشرة: من خلال شراكات مثل الاتفاقيات مع قطر الذي من المتوقع أن يصل إلى 7.5 مليار دولار استثمار مباشر .
- سندات دولية (ديون تقليدية): مصر أبلغت عن نيتها إصدار 4 مليارات دولار في سندات دولية خلال 12 شهراً لتجنب الاعتماد الكامل على صندوق النقد.
سداد الدين المهول: 47 مليار دولار في العام وعبء المواطن
حسب بيانات صندوق النقد المركزي، تكلفة خدمة الدين الخارجي في عام 2025 قد تصل إلى 22.46 مليار دولار فقط، تشمل فوائد وأقساط.
أما سداد 47 مليار دولار هذا العام، فيعني أنَّ غالبية هذه الأموال ستُذهب لتغطية خدمات الديون القائمة، لا لتطوير التعليم أو الصحة أو دعم الفقراء.
الدائنون تشمل مؤسسات متعددة:
صندوق النقد الدولي يملك 17.3 مليار (33.5% من الدين على المؤسسات متعدّدة الأطراف) .
دول الخليج: السعودية (12.6 مليار)، الإمارات (11.2 مليار)، والكويت (6 مليار) .
نادي باريس والمصارف الدولية: تشمل روسيا، فرنسا، اليابان، وغيرها بمليارات إضافية .
الأثر على المواطنين: من الفقر إلى حرمان الخدمات الأساسية
سداد هذه الديون الضخمة يعني ضرباً مزدوجاً للجيوب والفئتين الوسطى والفقيرة:
- خفض الدعم وإعادة تخصيص الميزانية: دعم الخبز والبترول الذي يخصص له أكثر من 6.2 مليار دولار سنويًا سيتم تقليصه، ما يعني ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
- رفع الضرائب والرسوم: لتمويل ديون لا تأتي بخدمات، لن يتأتى إلا عبر ضرائب إضافية على المواطن العادي.
- تجميد الإنفاق على التعليم والصحة: بدل من بناء مستشفيات ومدارس، ستذهب الأموال لسداد فوائد بلا نهاية.
- تهديد الجنيه والتضخم المستمر: المزيد من الاقتراض سيزيد الضغط على سوق الدولار، وسيؤدي إلى تراجع الجنيه وارتفاع غير مسبوق في الأسعار.
رهن المستقبل لدفعات عقيمة
بدلاً من الاستثمار في مواطنه ومعالجة أزماته المعيشية، قررت الدولة أن تحوّل مستقبل الشعب إلى ورقة رهن تقترض بها من كل حدب وصوب.
سداد 47 مليار دولار من جيوب الشعب لا يعالج إلا وجع الدائنين، لكن شلل الخدمات وانعدام العدالة الاقتصادية سيجعل المواطن يدفع الثمن مرتين.
إذا استمر هذا الانهيار المالي تحت مسميات النهوض والتطوير، فإن مصر ستحصد دائماً مصيراً بلدٍ بلا حياة ولا أفق.
خبراء الاقتصاد يحذرون من أن استمرار هذا النهج يعني رهن مستقبل مصر بالكامل لصالح الدائنين الدوليين، ما يجعل القرار الاقتصادي والسياسي مرتهنًا لصندوق النقد والدول الكبرى.
الأخطر أن هذه القروض لا تذهب إلى تحسين التعليم أو الصحة أو دعم الصناعة، بل إلى سداد فوائد وأقساط الديون القديمة، أي أننا نقترض فقط لنسدد قروضًا سابقة، في حلقة مفرغة لا نهاية لها.
الآثار على المواطن كارثية: ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، انهيار الجنيه، اختفاء السلع الأساسية، وزيادة معدلات البطالة والفقر.
بالفعل، يعيش أكثر من 60% من المصريين تحت خط الفقر وفق تقديرات مستقلة، بينما تستمر الحكومة في ترويج أكاذيب عن “الإصلاح الاقتصادي” الذي لم يجلب سوى الخراب.
وأخيرا فمصر اليوم أمام أزمة غير مسبوقة، ليس فقط بسبب حجم الدين المهول، بل لأن النظام الحاكم حول البلاد إلى رهينة لدى الدائنين، فيما يزداد الشعب سحقًا تحت وطأة الغلاء والضرائب وسوء الإدارة.
السؤال: إلى متى يستمر هذا العبث الاقتصادي الذي يدمر حاضر مصر ويصادر مستقبلها؟