التصريح الأخير لرئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الدكتور فخري الفقي، الذي زعم فيه إمكانية هبوط الدولار إلى مستوى 40 جنيهاً، ليس سوى وهم جديد تبيعه الحكومة للمواطنين لتغطية فشلها الذريع في إدارة الاقتصاد. بدلاً من وضع خطة إصلاح حقيقية تعيد بناء القاعدة الإنتاجية، تواصل الحكومة إطلاق تصريحات دعائية لتضليل الرأي العام، في وقت تتفاقم فيه الديون ويزداد عجز الموازنة.

https://youtu.be/a3ccuV_It_I

 

تصريحات مضللة

فخري الفقي زعم أن الجنيه المصري مقوم بـ70% من قيمته الحقيقية وأن سعر الدولار يجب أن يكون 35 جنيهًا لا 50، وهو كلام بعيد تمامًا عن الواقع. إذا كان الجنيه بهذه القوة، فلماذا يستمر التضخم في مستويات قياسية؟ ولماذا تعتمد الحكومة على الاقتراض الخارجي وتفرض قيودًا على الاستيراد؟ حديثه عن مرونة سعر الصرف وفق العرض والطلب غير صحيح، فالسوق يخضع لقيود صارمة والبنوك عاجزة عن توفير الدولار، بينما السوق السوداء هي المسيطر. القول بأن مؤشرات الاقتصاد الكلي ستعيد القوة للجنيه مجرد وهم، لأن هذه المؤشرات لا تترجم إلى تحسن معيشة المواطنين ولا إلى استقرار حقيقي للعملة. هذه التصريحات لا تعكس الحقيقة، بل محاولة لتضليل الرأي العام وتجميل صورة اقتصاد مأزوم يواجه أزمات غير مسبوقة.

 

الحكومة تبيع الوهم بالاقتراض الداخلي

بدلاً من بناء اقتصاد قائم على الإنتاج، لجأت الحكومة إلى سياسة طباعة الديون المحلية عبر طروحات أذون وسندات الخزانة، حيث بلغت قيمة الإصدارات في ستة أسابيع فقط 1.4 تريليون جنيه. هذه الأموال ليست إنجازاً، بل قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الاقتصاد قريباً، لأنها ترفع خدمة الدين وتزيد التضخم الذي يطحن الطبقات الفقيرة. الحكومة تعرف ذلك لكنها تصر على المضي قدماً في هذه السياسة لتغطية عجزها المؤسسي.

 

تحسن هش يعتمد على الخارج لا الداخل

تزعم حكومة السيسي أن الوضع يتحسن بفضل تحويلات المصريين والسياحة، لكن الحقيقة أن هذه الموارد جارية وليست استثمارات إنتاجية، ولا يمكنها خلق فرص عمل أو قيمة مضافة. الأسوأ أن فاتورة الواردات، خاصة في مجال الطاقة، تلتهم معظم هذه المكاسب. كل هذا يثبت أن الحكومة تتعامل مع الأزمات عبر المسكنات لا عبر حلول جذرية.

والأدهى أن التحسن في سعر الجنيه سببه الرئيسي تراجع مؤشر الدولار عالمياً وليس كفاءة الحكومة. أي أن أي تغير عالمي سيعيدنا إلى الانهيار فوراً، لأن الاقتصاد لا يستند إلى قاعدة إنتاجية قوية.
الأموال الساخنة.. سياسة خطرة تحكم قبضتها على الجنيه

تعتمد الحكومة بشكل فج على الأموال الساخنة، وهي أكثر أنواع التدفقات هشاشة وخطورة، بدلاً من الاستثمار الإنتاجي الذي يبني اقتصاداً حقيقياً. ففي يوليو دخلت تدفقات مؤقتة بقيمة 3.75 مليار دولار، لكنها بدأت في الهروب في أغسطس بخروج نحو 100 مليون دولار، ما يعكس الفشل في تحقيق استقرار مستدام.

هذه السياسة الكارثية التي شجعتها الحكومة تهدف فقط إلى خلق انطباع زائف بتحسن الجنيه، فيما الحقيقة أن المستثمرين الأجانب يحققون أرباحاً خيالية من أموال المصريين. على سبيل المثال، دخول 40 مليار دولار بسعر 50 جنيهاً يعني تريليوني جنيه، ومع فائدة 25% يصل المبلغ إلى 2.5 تريليون جنيه. وعند الخروج بسعر صرف 40 جنيهاً، يتحول المبلغ إلى 62.5 مليار دولار، أي مكاسب تتجاوز 56% على حساب ميزانية الدولة والضرائب التي يدفعها المواطن. أليس هذا نزيفاً ممنهجاً؟

 

دروس من الخارج.. أين الحكومة من التجارب الناجحة؟

بينما اختارت دول مثل بولندا تبني سياسة استهداف التضخم كهدف أساسي لبناء اقتصاد متين، تصر الحكومة المصرية على ملاحقة سراب سعر الصرف. والنتيجة؟ تضخم متوحش يلتهم مدخرات المصريين، وانكماش في الاستثمار الصناعي، وهروب رأس المال الإنتاجي. لماذا لم تجرؤ الحكومة على تبني هذه السياسات؟ لأن السلطة تبحث عن حلول قصيرة الأجل لإرضاء صندوق النقد الدولي وضمان بقاء النظام السياسي، حتى لو كان الثمن هو سحق الاقتصاد والمواطن.

 

التوصيات التي ترفضها الحكومة عمداً

  •     استهداف التضخم كأولوية بدل مطاردة سعر الدولار.
  •     جذب استثمارات إنتاجية حقيقية بدلاً من بيع أذون خزانة بفوائد جنونية.
  •     إصلاح فاتورة الطاقة عبر الاعتماد على الإنتاج المحلي، لا الاستيراد المكلف.
  •     تعميق الصادرات في الصناعات والزراعة بدلاً من تحويل مصر إلى سوق استهلاكي.
  •     وقف تضارب السياسات المالية والنقدية الذي فاقم الكارثة.

 

الخلاصة.. حكومة الفشل تبيع الوهم

لن يتحقق سعر 40 جنيهاً إلا إذا استمرت الحكومة في التلاعب بالأموال الساخنة على حساب الأجيال المقبلة، وهو سيناريو كارثي سيفجر أزمة أعمق في أي لحظة. الاستقرار الحقيقي يبدأ من الإنتاج، وليس من خداع الشعب بأحلام زائفة. لكن يبدو أن الحكومة، بقيادة قائد الانقلاب السيسي، تختار الطريق الأسهل دائماً: القروض، الجباية، والوعود الفارغة، بينما يدفع المواطن الثمن من قوته ومستقبله.