في منتصف يونيو 2025، أعلنت وزارة التنمية المحلية بحكومة الانقلاب المصري عن حركة تنقلات وترقيات جديدة شملت أكثر من 100 قيادة محلية، بينهم محافظون ونواب وسكرتيرون عموم ورؤساء أحياء، ورغم تسويق الحكومة للحركة باعتبارها "الأكبر من نوعها" وتهدف إلى "ضخ دماء جديدة"، إلا أن المعارضة ترى فيها إعادة تدوير وجوه قديمة في مواقع مختلفة، دون معالجة جذرية لفشل منظومة الإدارة المحلية التي تعاني من التكلس والفساد.
أرقام لا تعكس تحسّناً
تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة رضا المواطنين عن الخدمات المحلية (النظافة، الطرق، المواصلات، مياه الشرب) لا تزال دون 45% في معظم المحافظات، بل تنخفض إلى 25% في محافظات الصعيد، رغم مرور أكثر من عشر سنوات على وعود "ميكنة الإدارة المحلية" و"تطوير المحليات"، ويقدّر خبراء أن نسبة المشاريع المحلية التي توقفت أو تعطّلت لأسباب إدارية تتجاوز 38% من إجمالي المشروعات الممولة من الدولة منذ 2015.
تدوير قيادات
قال الدكتور جمال نصار، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة بني سويف، إن "حركات التنقلات ليست سوى تغييرات شكلية، لأن منظومة الإدارة المحلية لا تعمل ضمن سياسة شفافة أو رقابة حقيقية من المواطنين أو البرلمان"، مشيرًا إلى أن معظم القيادات التي تمت ترقيتها كانت تشغل مواقع تنفيذية فشلت في حل مشكلات المواطنين.
وتابع: "الفساد الإداري والمحسوبية والولاء الأمني أهم من الكفاءة، وبالتالي لا يمكن انتظار نتائج مختلفة ما دام معيار الترقية هو إرضاء جهات سيادية، وليس الكفاءة المهنية".
في المقابل، قال وزير التنمية المحلية بحكومة الانقلاب المصري اللواء هشام آمنة، إن الحركة "تستهدف رفع كفاءة الجهاز الإداري، ومراعاة البعد السكاني والجغرافي، وتمت وفق معايير صارمة"، لكنه لم يقدم بيانات شفافة عن آلية التقييم أو عدد الشكاوى ضد القيادات المُرقّاة.
ويرى مراقبون أن تصريحات الوزير تأتي في إطار تكرار لنفس الخطاب الرسمي منذ انقلاب 2013، دون تغيير حقيقي في فلسفة الحكم المحلي، التي لا تزال تفتقد لمجالس محلية منتخبة منذ حلها بقرار من المجلس العسكري عام 2011.
لا مركزية مفقودة
في دراسة صادرة عن "مؤسسة فريدريش ناومان" الألمانية في 2024، أكدت أن مصر تحتل المرتبة 132 من أصل 180 في مؤشر اللامركزية الإدارية، وأن نظام المحليات فيها "مفرط في المركزية ويعتمد على أوامر من الوزارات وليس على المبادرات المحلية"، كما اعتبرت الدراسة أن غياب المجالس الشعبية المحلية، منذ أكثر من 13 عامًا، يحرم المواطنين من آلية رقابة فعالة على أداء المسؤولين.
أما الباحث هاني سليمان من المركز العربي للدراسات السياسية، فاعتبر أن "كل تغيير دون انتخابات محلية حقيقية مجرد ترقيع"، مؤكدًا أن "الموظف المحلي غير قادر على اتخاذ قرار يخص شارعه أو منطقته دون الرجوع إلى العاصمة، مما يفقد المنظومة القدرة على الاستجابة لاحتياجات الناس".
أزمات متراكمة تفضح فشل الإدارة
تعاني المحافظات من مشكلات مزمنة دون حلول تُذكر:
- في الجيزة، اشتكى المواطنون من انهيار البنية التحتية في أحياء بولاق والدقي رغم تغيير 4 رؤساء أحياء خلال عامين.
- في الدقهلية، تعثرت مشاريع صرف صحي في 3 مراكز (أجا، المنزلة، السنبلاوين) رغم تخصيص 2.3 مليار جنيه لها منذ 2021.
- في سوهاج والمنيا، ارتفعت شكاوى المواطنين من سوء خدمات النظافة بنسبة 52% بحسب تقارير محلية، دون مساءلة حقيقية للمسؤولين.
ترقية الفشل
وصفت حركة "مصريون ضد الانقلاب" في بيان لها أن حركة الترقيات الأخيرة تمثل "مكافأة للفشل الإداري"، وأن السيسي "يفضل تغيير المقاعد على إصلاح السياسات"، مطالبة بعودة الانتخابات المحلية وتفعيل الرقابة المجتمعية، لا سيما أن "قائد الانقلاب يُعيّن المحافظين دون استشارة أي جهة منتخبة، وهو ما يُخالف روح الدستور".
كما قال المهندس ممدوح حمزة، المعارض، إن "منظومة الحكم المحلي تحولت إلى شبكة من الإقطاعيات العسكرية، حيث يتم تعيين لواءات جيش وشرطة متقاعدين في مواقع المحافظين، مما يفقد الجهاز التنفيذي أي روح مدنية أو تخطيط علمي".
لا يمكن لحركات الترقيات والتنقلات أن تُحدث فرقًا ما دامت تُدار من قمة السلطة دون رقابة مجتمعية أو انتخاب محلي حقيقي، التحدي ليس في تغيير الأشخاص، بل في تغيير آليات اتخاذ القرار، وإعادة السلطة للشعب عبر مجالس منتخبة واستقلال فعلي للمحليات عن قبضة العاصمة.