في ضربة جديدة لقطاع السياحة المصري المتعثر، كشفت تقارير صادرة في يونيو 2025 عن إلغاء نحو 10% من إجمالي حجوزات السياحة الأجنبية إلى مصر، بسبب تداعيات الحرب الجارية في الشرق الأوسط، خاصة بين إسرائيل وحزب الله، وتوترات البحر الأحمر، مما أعاد إلى الأذهان سنوات الركود التي أعقبت ثورة يناير والانقلاب العسكري عام 2013.

 

الأرقام تكشف حجم الأزمة

بحسب بيانات حديثة صادرة عن غرفة شركات السياحة المصرية ونقلها موقع Middle East Eye  في 15 يونيو 2025، فقد تم إلغاء ما لا يقل عن 220 ألف حجز سياحي من أصل 2.2 مليون حجز متوقع للفترة الممتدة من يوليو إلى سبتمبر، وهو ما يمثل حوالي 10% من إجمالي الطلب على السفر إلى المقاصد المصرية مثل شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان.

وأشار تقرير صادر عن معهد لندن للدراسات الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط إلى أن هذه النسبة مرشحة للارتفاع إلى 18% في حال استمرت الاشتباكات الإسرائيلية-اللبنانية وتصاعد التوتر في باب المندب خلال شهري يوليو وأغسطس، ما قد يُكبد مصر خسائر تُقدر بـ 1.2 مليار دولار خلال فصل الصيف فقط.

 

أسباب الإلغاء

ووفقاً لتصريحات أدلى بها خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، لقناة “الحوار”، فإن السبب الأساسي في إلغاء هذه الحجوزات هو التخوف الأوروبي والآسيوي من اتساع رقعة الحرب في المنطقة، ما يجعل مصر، وخاصة سيناء، في مرمى النيران المحتملة أو الضغوط الجيوسياسية. كما أشار إلى أن "الأزمة ليست فقط أمنية، بل تتعلق بسوء الإدارة الحكومية للقطاع السياحي منذ سنوات، وغياب الخطط الاستباقية".

وفي السياق ذاته، قالت النائبة السابقة أنيسة حسونة في منشور سابق قبل وفاتها إن "القطاع السياحي في عهد السيسي يعاني من التسييس والعسكرة، ما أفقده المرونة، وجعل أي هزة إقليمية تهدد بإسقاطه سريعًا"، وهو ما يتوافق مع دراسة نشرها مركز كارنيغي في فبراير 2024 تشير إلى أن 36% من مشروعات السياحة مملوكة لشركات تابعة للجيش، مما يعطل المنافسة ويقوض الكفاءة.

 

كيف تتم الحجوزات؟

تتم معظم حجوزات السياحة لمصر عبر منصات عالمية وشركات سفر أوروبية مثل TUI الألمانية وThomas Cook البريطانية سابقًا، وتعتمد على تقييمات السلامة الصادرة من وزارات الخارجية.

وبحسب آخر تحذير صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية في 12 يونيو 2025، أوصت السلطات بعدم السفر إلى مناطق جنوب سيناء وشرق المتوسط "إلا للضرورة القصوى"، ما دفع شركات إلى إلغاء رحلات مجدولة تلقائيًا أو منح السياح خيار التعديل.

وقد أشار تقرير لشبكة DW  الألمانية إلى أن غالبية الإلغاءات تمت عبر شركات الحجز المبكر، خصوصًا من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وهي دول تمثل قرابة 30% من إجمالي السياح الأوروبيين الوافدين إلى مصر.

 

تداعيات اقتصادية خطيرة

يُشكل قطاع السياحة نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، ويوفر أكثر من 2.4 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بحسب بيانات البنك الدولي لعام 2023، ومع تراجع الحجوزات، يُتوقع أن يتأثر قطاع الطيران والفنادق والنقل الداخلي، مما يزيد البطالة، خاصة في المناطق الساحلية التي تعيش بالكامل على المواسم السياحية.

ويرى الباحث أحمد حسين من مؤسسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الحكومة تعاني من "عجز حاد في مواجهة الأزمات السياحية، وتعتمد فقط على الحملات الدعائية في حين تغيب الإصلاحات الهيكلية"، مشيراً إلى أن "مصر لم تُعدّل أو تطور البنية التشريعية للسياحة منذ عام 2010، ولم تعتمد منظومة تأمين حقيقية للأفواج السياحية، بل تكتفي بالإجراءات العسكرية التي لا تطمئن السائح الأجنبي".

 

ماذا بعد؟

في ظل غياب الاستقرار الإقليمي، وفشل الدولة المصرية في تقديم حلول جذرية، لا يبدو أن قطاع السياحة سيتعافى قريبًا، وقال الدكتور زياد بهاء الدين، النائب السابق لرئيس الوزراء، في مقالة له بصحيفة الشروق: "لا يمكن للاقتصاد المصري أن يعتمد على قطاع هش مثل السياحة في ظل هذا المناخ السياسي والاقتصادي المتخبط، دون أن يُعيد النظر في بنيته الكلية".

وفي الوقت الذي تُصر فيه وزارة السياحة على التقليل من حجم الأزمة، معتبرة أن "الطلب لا يزال جيدًا"، تُظهر البيانات الميدانية شيئًا آخر، مما يُنبئ بموسم سياحي صيفي باهت، قد يكون الأسوأ منذ جائحة كورونا.

نستنتج وفق المعطيات السابقة أن إلغاء 10% من حجوزات السياحة إلى مصر في صيف 2025 ليس مجرد رقم، بل جرس إنذار لحكومة غارقة في إدارة أمنية واقتصادية فاشلة، وبين الحرب في الشمال، والتوترات في البحر الأحمر، وسوء الإدارة المحلي، يجد قطاع السياحة نفسه على حافة الانهيار، وسط تجاهل رسمي، وتضييق على القطاع الخاص، ومزيد من المعاناة للشعب المصري الذي يعيش من فتات هذا الاقتصاد المختل.