شهدت أسعار تذاكر قطارات "التالجو" الفاخرة التابعة للهيئة القومية لسكك حديد مصر زيادة كبيرة جديدة بدأ تطبيقها صباح الأربعاء 18 يونيو 2025، حيث تراوحت الزيادة بين 75 و200 جنيه للتذكرة الواحدة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً حول مدى قدرة المواطن المصري على تحمل أعباء متزايدة لا تنتهي.
تفاصيل الزيادة وأرقام التذاكر
وفق الأسعار الجديدة.. بلغ سعر تذكرة الدرجة الأولى على خط القاهرة-الإسكندرية 275 جنيهاً، والدرجة الثانية 175 جنيهاً.
أما على خط القاهرة-أسوان، فتتراوح أسعار الدرجة الأولى بين 350 و700 جنيه حسب المحطة، والدرجة الثانية بين 250 و550 جنيهاً.
هذه الزيادات تأتي بعد سلسلة من الارتفاعات السابقة، حيث زادت الأسعار في نوفمبر 2024 بمقدار 50 جنيهاً للدرجة الأولى و25 جنيهاً للدرجة الثانية على خط القاهرة-الإسكندرية.
قطارات الأغنياء في دولة فقيرة
قطارات "التالجو" الإسبانية، التي بدأ تشغيلها في مصر عام 2022، تم الترويج لها من قبل النظام باعتبارها نقلة حضارية نوعية في قطاع النقل، رغم تكلفتها الباهظة.
ووفقًا لتقارير حكومية، بلغت تكلفة الصفقة مع شركة "تالجو" الإسبانية نحو 158 مليون يورو (أي ما يعادل 5.5 مليار جنيه آنذاك)، لشراء 6 قطارات فقط.
لكن وفق تقارير صادرة عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذه القطارات تخدم شريحة لا تتجاوز 5% من إجمالي ركاب السكك الحديدية، مما يعني أن الدولة أنفقت المليارات على مشروع فخم لا يخدم الطبقة الوسطى أو الفقيرة، التي تعتمد بشكل رئيسي على القطارات العادية والمميزة، والتي تعاني من الإهمال.
مبررات الهيئة..
بررت الهيئة القومية لسكك حديد مصر الزيادة بأنها تهدف إلى "تطوير الخدمات وتغطية التكاليف التشغيلية المتزايدة"، خاصة مع تحديث الأسطول وتشغيل قطارات حديثة مثل التالجو التي توفر تجربة سفر فاخرة، وأكد مصدر مسؤول أن الأسعار الجديدة "لا تزال أقل من التكلفة الفعلية للرحلة"، في ظل ارتفاع أسعار التشغيل والخدمات اللوجستية عالمياً.
لكن هذه المبررات لم تقنع قطاعات واسعة من المواطنين، الذين يرون أن الزيادات المتتالية ترهقهم في ظل أزمات معيشية متفاقمة، فقد شهدت مصر ارتفاعات متواصلة في أسعار السلع والخدمات خلال عامي 2023 و2024، مدفوعة بانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم التي بلغت 35.9% سنوياً في نوفمبر الماضي.
لماذا يتحمل المواطن وحده؟
يرى خبراء اقتصاد معارضون أن تحميل المواطن أعباء الزيادات المستمرة في أسعار خدمات النقل العام، ومنها قطارات التالجو، هو نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية تفتقر للعدالة الاجتماعية، ويؤكد أحد الباحثين أن "المصريين يرون أن دخولهم لا تتحمل أعباءً جديدة، خاصة أن الزيادة تمس وسائل نقل شعبية تُستخدم يومياً"، ويضيف أن هذه الزيادات "تقلل من قيمة علاوة غلاء المعيشة التي وجّه بها قائد الانقلاب في سبتمبر الماضي، فالمواطن كان يريد أن يشعر بقيمة هذه العلاوة وأن الدولة تقف معه في ظل الغلاء المستمر".
ورغم ادعاء حكومة الانقلاب بأن "التالجو" جزء من خطة تطوير قطاع النقل، يرى خبراء مثل الدكتور عمرو عدلي، أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية، أن هذه المشاريع ذات طابع استعراضي أكثر منها تنموي، فبدلًا من توجيه الاستثمارات لإصلاح الشبكات القديمة أو تحسين أمان السكك، يتم التوسع في مشاريع تخدم فئات محدودة أو تُدار وفق شراكات مشبوهة مع شركات أجنبية.
ويضيف عدلي أن حكومة الانقلاب لم تُعلن عن العائد الفعلي من هذه القطارات مقارنة بتكلفتها، في ظل غياب تقارير محاسبية منشورة، مما يفتح الباب أمام شبهات فساد أو سوء تخطيط.
زيادات لا تنتهي..
الزيادة الأخيرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد أقرت حكومة الانقلاب في أغسطس 2024 زيادات على أسعار تذاكر القطارات والمترو تراوحت بين 12.5% و33%، بعد أسبوع واحد فقط من زيادة أسعار الوقود بنسبة 10-15%.
وتكررت موجات الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب أحد المواطنين: "كنت أركب القطار لتوفير أي مبلغ من تكاليف المواصلات.. والآن لا مجال لذلك".
ويرى اقتصاديون أن هذه الزيادات المتكررة تعكس غياب حلول جذرية لأزمة تمويل قطاع النقل، حيث تعتمد الدولة على رفع الأسعار بدلاً من إصلاح منظومة الإدارة أو مكافحة الفساد أو تحسين كفاءة الإنفاق العام.
تداعيات اجتماعية..
تحذر تقارير اقتصادية من أن استمرار رفع أسعار الخدمات الأساسية، ومنها النقل، سيؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، وزيادة معدلات الفقر، وتراجع الطلب على وسائل النقل الحديثة لصالح وسائل أقل أماناً أو جودة، كما أن هذه السياسات قد تدفع قطاعات واسعة من المصريين إلى العزوف عن استخدام القطارات الفاخرة، ما يهدد بفشل خطط تطوير القطاع على المدى الطويل.
في مقابل تصريحات مسؤولي الهيئة حول "تطوير الخدمة"، يطالب اقتصاديون بضرورة مراجعة سياسات التسعير وربطها بمستوى الدخل، وتوفير دعم للفئات الأكثر احتياجاً.
كما يشيرون إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3500 جنيه شهرياً لا يكفي لتعويض المواطن عن موجات الغلاء المتلاحقة، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار الكهرباء والاتصالات وغيرها من الخدمات الأساسية.
تتواصل معاناة المواطن المصري مع زيادات أسعار قطارات التالجو وغيرها من وسائل النقل، في ظل سياسات اقتصادية تركز على تحميل الأعباء للشرائح الأقل دخلاً دون حلول هيكلية حقيقية، وبينما تبرر الحكومة قراراتها بتطوير الخدمات ومواجهة التكاليف، يرى معارضو حكم السيسي أن هذه السياسات تهدد الاستقرار الاجتماعي وتعمق الفجوة بين الدولة والمواطن، ومع غياب أفق لانتهاء موجة الزيادات، يبقى السؤال: إلى متى سيظل المواطن وحده يدفع فاتورة الإصلاح الاقتصادي؟