بدأت حكومة عبدالفتاح السيسي، مطلع هذا الأسبوع، تطبيق سلسلة من الإجراءات التقشفية في استهلاك الكهرباء والمحروقات، معلنةً العودة إلى حالة الطوارئ في قطاع الطاقة، في خطوة تعبّر عن عمق الأزمة التي تواجهها البلاد بعد تعثر إمدادات الغاز الطبيعي من إسرائيل، وتفاقم صعوبات استيراد الوقود من الأسواق العالمية.
وبالتزامن مع انتهاء عطلة عيد الأضحى، وزيادة النشاط في الأسواق والمحال التجارية، أصدرت الحكومة قرارات صارمة شملت تخفيض إنارة الشوارع بنسبة 60%، وتقنين استهلاك الكهرباء في المباني الحكومية، ومنع تشغيل لوحات الإعلانات المضيئة خلال ساعات الذروة، وفرض مواعيد غلق مبكرة للمحال التجارية، وإجراءات أخرى تستهدف تقليص الطلب المتزايد على الطاقة.
الحرب تخلط الأوراق
تأتي هذه التطورات في أعقاب تصاعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، التي دفعت القاهرة للتراجع عن التزامات سابقة بعدم المساس بإنتاج الكهرباء خلال صيف 2025، وهو ما أعلن عنه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أيام فقط من بدء الإجراءات.
وبحسب مصادر مطلعة في وزارتي البترول والكهرباء، فإن انقطاع الغاز الإسرائيلي بسبب الحرب، بالإضافة إلى تعطل محطات التغويز في السويس والإسكندرية، أجبر الحكومة على التحول السريع إلى الوقود البديل، ما دفعها لشراء شحنات عاجلة من المازوت بقيمة تقترب من مليار دولار من السوق الفورية.
ترشيد قسري على نطاق واسع
الحكومة عمّمت منشوراً رسمياً على جميع الوزارات والمحافظات، يقضي بخفض الإضاءة العامة، ووقف تشغيل التكييفات والأجهزة الكهربائية بالمقار الحكومية بعد الساعة الثامنة مساءً.
كما تم منع تشغيل لوحات الإعلانات الضوئية من التاسعة مساءً وحتى منتصف الليل، وهي الفترة التي تُسجل أعلى معدلات استهلاك للكهرباء.
وشددت الحكومة على ضرورة غلق المحال التجارية الساعة 11 مساءً طوال أيام الأسبوع، عدا العطلات وليلة الجمعة، إلى جانب تقليص الإنارة في المساجد والميادين، في محاكاة لسياسات سبق أن اتُّبعت خلال أزمات صيفي 2023 و2024.
الطلب يرتفع والعجز يتفاقم
رغم تحسن الطقس نسبيًا، تتوقع وزارة الكهرباء أن يقفز الاستهلاك اليومي للكهرباء إلى 38 غيغاوات خلال أشهر الصيف، بزيادة 25% عن الأشهر الأخرى.
ومع استمرار تراجع إنتاج الغاز، باتت الدولة تعتمد بشكل أكبر على المازوت، رغم كلفته العالية وتأثيراته البيئية السلبية.
وأُوكلت إلى وزارة التنمية المحلية مهمة تشكيل لجان فنية لمتابعة تنفيذ خطة الترشيد ميدانياً، تفادياً لانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي كما حدث في السنوات السابقة، حين اضطرت الحكومة لتطبيق نظام "القطع المبرمج" بين المناطق السكنية.
ضغوط على الصناعة... والحديد في خطر
ضمن القرارات الأخيرة، قيدت وزارة البترول توزيع المحروقات، ليقتصر على محطات الكهرباء، والمخابز، والمنازل، مستثنيةً بذلك مصانع كبرى مثل البتروكيماويات، والأسمدة، ومواد البناء.
وتم توجيه تحذيرات إلى شركات الحديد من احتمالية تخفيض كميات الغاز الموردة لها لمدة أسبوعين على الأقل.
مصدر رفيع في وزارة البترول كشف أن نسبة العجز في توريد الغاز للاستهلاك المحلي اليومي تصل إلى 45%، مع انهيار إنتاج حقل ظهر بنسبة 60% مقارنة بعام 2021.
وتسعى الوزارة لتعويض هذا النقص عبر استيراد نحو 160 شحنة من الغاز المسال خلال عام 2025، وهو ما سيُثقل كاهل الموازنة بسبب تقلبات الأسعار في السوق الفورية.
ارتباك حكومي وخيارات محدودة
القرارات الأخيرة تكشف عن حالة ارتباك واضحة في إدارة ملف الطاقة، خصوصاً مع استمرار ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وصعوبة ضمان استيراد شحنات منتظمة من الوقود.
وبينما وضعت وزارة البترول سقفًا سعريًا للشراء لا يتجاوز 14 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية، فإن الأسعار الحالية في السوق تتجاوز هذا السقف، ما يهدد بفشل الصفقات المستقبلية.
ويُخشى أن تقود الأزمة إلى موجة جديدة من تقنين الكهرباء أو زيادات في أسعار الوقود، ما قد يضيف أعباء جديدة على المواطنين والصناعات الحيوية، في وقت تعاني فيه مصر من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة، وسط تضاؤل في الموارد وصعوبة الوصول إلى تمويل خارجي كافٍ.