منذ انقلاب 3 يوليو 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب، دخلت مصر مرحلة جديدة وُصفت بأنها "عهد استقرار بالقوة"، لكن واقع المصريين في التعليم والغذاء والاقتصاد والأمن يرسم صورة مأساوية تؤكد أن ما يُروّج كـ"ثورة إنقاذ" لم يكن سوى مسرحية عسكرية أعادت البلاد لعصور القمع والفقر.
1- انهيار اقتصادي ممنهج.. تضخم الديون وتجويع الشعب
بحسب البنك المركزي المصري، قفز الدين الخارجي من 43 مليار دولار عام 2013 إلى حوالي 171.9 مليار دولار بنهاية 2024، أي بزيادة تفوق 300%، ومع ذلك، لم تنعكس هذه القروض على المواطن، بل على مشروعات ضخمة غير منتجة مثل العاصمة الإدارية، التي تجاوزت كلفتها 58 مليار دولار دون جدوى اجتماعية ملموسة.
في تقرير حديث للبنك الدولي (2024)، قفزت معدلات الفقر إلى 32.5% من السكان، في حين يُقدّر الباحث الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار أن عدد من هم تحت خط الفقر يتجاوز 40 مليون مصري، بسبب تآكل الأجور وارتفاع الأسعار.
وسجل التضخم أعلى مستوياته في 2023 بنسبة 35.7%، ليبلغ سعر كيلو الأرز 40 جنيهًا، وكرتونة البيض 140 جنيهًا، وهو ما وصفته منظمة "فود إنترناشيونال" بـ"أزمة غذائية مزمنة".
اتخذ النظام قرارات قاسية شملت رفع أسعار الخبز المدعوم لثلاثة أضعاف، وتكرار رفع أسعار الوقود والكهرباء، وبيع أصول الدولة بشكل مضطرد لتوفير سيولة عاجلة.
ووفقًا لدراسة المركز المصري للإعلام والرأي العام (تكامل مصر) في 2016، فإن 74% من المصريين رفضوا استمرار نظام السيسي، بينما أبدى 11% فقط رغبتهم في بقائه.
كما أظهر استطلاع أجراه معهد واشنطن في 2018 رفض أغلبية المصريين للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتصاعد الاستياء الشعبي ضد السيسي.
2- الأمن الغذائي.. فشل ذريع واكتفاء زائف
شعار "الزراعة قاطرة التنمية" تحول إلى سراب، مع تراجع الرقعة الزراعية لصالح مشاريع طرق ومدن، وفقدان نحو 90 ألف فدان زراعي بين 2013 و2023 وفق الجهاز المركزي للإحصاء.
كما زادت واردات مصر من القمح إلى 12 مليون طن سنويًا، بحسب تقرير الفاو 2024، ما يجعل مصر "أكبر مستورد للقمح في العالم"، وسط عجز عن تأمين مخزون استراتيجي يكفي لأكثر من 3 أشهر.
مشروع "الصوب الزراعية" الذي دُشّن عام 2016 لم يحقق أهدافه، حيث كشف تقرير للباحث الزراعي د. حسين عبد الله أن تكلفة الفدان الواحد بلغت 2.5 مليون جنيه، مع إنتاجية أقل من الزراعة التقليدية، مما جعله "استعراضًا عسكريًا أكثر من كونه مشروعًا تنمويًا".
3- التعليم.. نظام مدمر يعيد إنتاج الجهل
لم ينجُ التعليم من قبضة السلطة، فقد صنّف تقرير "مؤشر التعليم العالمي" الصادر عن الأمم المتحدة (2023) مصر في المرتبة 139 من أصل 175 دولة.
بينما واصلت الدولة تقليص ميزانية التعليم، فلم تتجاوز 2.5% من الناتج المحلي في 2023، رغم أن الدستور ينص على 4% كحد أدنى.
مشروع "التابلت" الذي أطلقه السيسي عام 2018 تحول إلى عبء على الدولة والطلاب، بعد أن كلف الدولة 9.5 مليار جنيه دون تطوير حقيقي في البنية التعليمية أو المحتوى، بينما ما تزال المدارس تعاني من نقص المعلمين، حيث يقدّر العجز بنحو 320 ألف معلم وفق بيان لنقابة المعلمين في مايو 2024.
4- الأمن.. دولة بوليسية لا تحمي المواطن
تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"، تحولت مصر إلى دولة بوليسية. فقد وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في مارس 2024 وجود أكثر من 65 ألف معتقل سياسي في مصر، إلى جانب الاختفاء القسري والتعذيب المنهجي في السجون.
وفي الوقت ذاته، لم تتمكن الدولة من حماية مواطنيها في سيناء، حيث شهد عام 2022 وحده أكثر من 120 هجومًا إرهابيًا بحسب معهد دراسات الحرب الأميركي، مما يدل على فشل مقاربة "الأمن بالحديد والنار".
لم تخلُ الساحة من أصوات معارضة رغم القمع؛ ففي 2021، دعا السيسي إلى "حوار وطني" مع المعارضة، وأُفرج عن مئات النشطاء، لكن مراقبين اعتبروا الخطوة تجميلية لا تغير من طبيعة النظام السلطوية.
كما أظهر الدعم الشعبي للمرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي في 2023 رغبة في التغيير، رغم القيود الشديدة على الحملات الانتخابية
5- الصحة.. انهيار المنظومة وهجرة الأطباء
في المجال الصحي، أُجهض مشروع التأمين الصحي الشامل بعد إطلاقه دعائيًا في 2018، ورغم تعهد الحكومة بتطبيقه في كل المحافظات خلال 10 سنوات، لم يكتمل إلا في 5 محافظات فقط، وفق تصريحات رسمية في 2024.
في غضون ذلك، غادر أكثر من 23 ألف طبيب مصري البلاد خلال عشر سنوات فقط، بحسب نقابة الأطباء، نتيجة ضعف الأجور وتردي بيئة العمل، ما أدى إلى انهيار الخدمة الصحية خاصة في القرى والصعيد.
6- الإعلام والقمع وتزييف الوعي
حوّلت السلطة الإعلام إلى أداة للدعاية، حيث تسيطر المخابرات العامة على أكثر من 75% من وسائل الإعلام، وفق تقرير "مراسلون بلا حدود" 2023.
الإعلامي نشأت الديهي، أحد أبواق النظام، قال: "ربنا أرسل السيسي عشان مصر تتولد من جديد"، وهو تصريح يعكس الحالة الشعبوية والانفصال عن الواقع.
مصر بعد 13 عامًا.. دولة منهارة وشعب مخنوق
بعد مرور 13 عامًا على انقلاب يونيو، تُرك المصريون في مواجهة فقر مدقع، وخدمات متدهورة، وقمع ممنهج، وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي تلقاها النظام من الخليج ومن مؤسسات دولية، فشل في تقديم نموذج اقتصادي أو اجتماعي عادل.
الثورة التي وعدت بالخلاص من حكم الإخوان، انتهت بإعادة إنتاج الاستبداد بصورة أشد شراسة، ما يجعل السؤال الأهم اليوم: هل ينهض المصريون مجددًا لكسر هذه الحلقة الجهنمية؟