في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، تحاول السلطة المصرية ترويج حملة "حياة كريمة" كرافعة وطنية لتحسين معيشة المواطنين، وفي نسختها الأخيرة توسعت الحملة لتشمل "ترشيد استهلاك الطاقة"، لكنّ مراقبين يرون أن هذه المبادرات ليست سوى واجهة إعلامية لتجميل فشل النظام في إدارة ملف الطاقة، في ظل الاعتماد المتزايد على الغاز الإسرائيلي، واستمرار تفشي الفساد في قطاعات الكهرباء والغاز.

 

"ترشيد الطاقة": شعار جديد للحملة الأضخم

أطلقت الدولة منذ عام 2021 مشروع "حياة كريمة" بزعم تطوير الريف المصري، وبتكلفة تتجاوز 700 مليار جنيه، وفق تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وفي يونيو 2024، أعلنت وزارة الكهرباء إدراج مبادرات لترشيد الطاقة ضمن البرنامج، مثل تركيب لمبات LED، وعزل أسطح المنازل، وتحفيز الطاقة الشمسية.

لكن تقريرًا صادرًا عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية في فبراير 2025، أشار إلى أن 61% من الأسر المستهدفة لم تتلقَ أية أدوات لترشيد الطاقة، بينما لم تُنفذ سوى 12% من مشروعات العزل الحراري المعلن عنها.

 

الفساد.. عقبة رئيسية

وفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024، تراجعت مصر إلى المرتبة 136 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد. ويؤكد الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق أن "الفساد في قطاع الطاقة أصبح ممنهجًا"، مشيرًا إلى اختفاء مليارات الجنيهات المخصصة لتحديث محطات الكهرباء، وتحول العقود إلى شركات مقربة من الأجهزة السيادية.

وفي دراسة للباحث أحمد السيد (الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ديسمبر 2023)، ورد أن 34% من عقود مشاريع الطاقة في الريف المصري أُبرمت دون مناقصات معلنة، ما يشير إلى احتمالات واسعة للتربح وسوء الإدارة.

 

غاز إسرائيل.. مثير للشكوك

من أبرز التناقضات التي تواجه شعار "ترشيد الطاقة" هو اعتماد مصر المتزايد على الغاز الإسرائيلي، فمنذ توقيع الاتفاق الثلاثي في 2018، ثم تعديله في 2022، ارتفعت واردات مصر من غاز الاحتلال بنسبة 92%، وفق إحصاءات وزارة البترول المصرية.

وفي مارس 2025، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين تمديد الاتفاق حتى 2030، بواقع 6.5 مليار متر مكعب سنويًا.

بينما أعلن وزير البترول المصري بحكومة الانقلاب طارق الملا في أبريل أن "الغاز الإسرائيلي يساهم في تعزيز مركز مصر كمركز إقليمي للطاقة"، وهي تصريحات وُوجهت بانتقادات لاذعة من معارضين اعتبروها "تبعية اقتصادية وأمنية".

 

صفقات الغاز مع إسرائيل

ارتفعت واردات مصر من الغاز الإسرائيلي بنسبة 39% في 2023 لتصل إلى 8.6 مليار متر مكعب، وبلغت في الربع الأول من 2024 نحو 2.63 مليار متر مكعب، بزيادة 20% عن الفترة نفسها من العام السابق.

في 15 فبراير 2024، وقعت شركة "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية اتفاقية لتزويد مصر بكمية إضافية تبلغ 4 مليارات متر مكعب سنوياً بدءاً من يوليو 2025، ليصل إجمالي الكميات الموردة إلى 43 مليار متر مكعب زيادة على الاتفاقية السابقة.

ووفقًا لتقدير مركز كارنيغي (تقرير يونيو 2024)، فإن مصر تنفق ما يقرب من 1.8 مليار دولار سنويًا على استيراد الغاز من إسرائيل، في وقت يُجبر فيه المواطنون على تقليل استهلاك الكهرباء وتحمّل فواتير مرتفعة.

هذه الأرقام تثير تساؤلات حول جدوى حملات الترشيد في ظل اعتماد مصر المتزايد على الغاز الإسرائيلي، الذي يُعاد تصديره إلى أوروبا كمصدر دخل للنظام، بينما يعاني المواطنون من انقطاعات الكهرباء وارتفاع الأسعار

 

النتائج الميدانية

رغم الدعاية الرسمية، شهد صيف 2024 انقطاعات متكررة للكهرباء في صعيد مصر والدلتا، دفعت وزارة الكهرباء إلى فرض جداول تخفيف أحمال دون إعلان مسبق.

وفي استطلاع أجرته مؤسسة بصيرة في نوفمبر الماضي، عبّر 58% من المصريين عن "عدم رضاهم" عن أداء الدولة في إدارة ملف الطاقة.

وعلى الجانب الآخر، رصد تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن "مشاريع حياة كريمة" تُستخدم لتقييد الحراك الشعبي في القرى، حيث يُربط تنفيذ بعض الخدمات بمدى تعاون الأهالي مع الجهات الأمنية أو أعضاء البرلمان المؤيدين للنظام.

 

شروط مبهمة وتمويلات لا تخضع للرقابة

من الجدير بالذكر أن التمويل الضخم للحملة يتم دون رقابة برلمانية حقيقية، حيث صرح النائب المعارض السابق هيثم أبو خليل أن "التمويلات التي تُضخ للحملة غير مدققة، ويتم استخدامها سياسيًا لتجميل صورة النظام في المناطق الريفية".

كما أن شروط الحصول على الخدمات المرتبطة بترشيد الطاقة، مثل الدعم في تركيب ألواح الطاقة الشمسية أو أجهزة موفرة، لا يتم الإعلان عنها بشكل واضح، مما يفتح المجال أمام الوساطة والمحسوبية.

 

ترشيد على الورق فقط؟

يرى محللون أن الحديث عن ترشيد الطاقة في مصر لا يمكن فصله عن فشل الإدارة المركزية، والاعتماد الاستراتيجي على الغاز الإسرائيلي، واستمرار تغوّل الفساد، فحملة "حياة كريمة"، رغم بعض إنجازاتها المحدودة، تُستخدم سياسيًا لتبييض صورة النظام بدلاً من معالجة جذور أزمة الطاقة.

وفي ظل غياب الشفافية، واستبعاد المعارضة من الرقابة والمحاسبة، تبقى مبادرات الترشيد أقرب إلى حملات علاقات عامة، لا تغييرًا حقيقيًا في بنية الاقتصاد أو نمط الاستهلاك.