يواجه المبنى التاريخي لوزارة الزراعة المصرية، المبني عام 1910، تهديدًا جديًا ببيعه، في ظل توجهات حكومية حديثة لبيع الأصول العقارية، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بين المراقبين والمهتمين بالشأن الوطني.

تأتي هذه الخطوة في سياق سياسات تصفية أصول الدولة، مما يثير مخاوف من فقدان جزء هام من التراث الوطني ومكانة الدولة في المجال الزراعي.

 

الأسباب وراء قرار البيع: أزمة اقتصادية أم تصفية أصول؟

تأتي هذه الخطوة في ظل ضغوط اقتصادية تواجهها الدولة، حيث لجأت الحكومة إلى بيع أصولها لتغطية العجز المالي، لكن مراقبين يرون أن الأمر يتجاوز الأزمة الاقتصادية ليصل إلى استهداف رموز الدولة ومؤسساتها التاريخية.

ويُعتقد أن توقيت الإعلان عن البيع مرتبط برغبة في جذب استثمارات خليجية، خاصة من دول الخليج التي تتابع عن كثب هذا المبنى التاريخي، ما يثير تساؤلات حول مدى جدوى هذه الخطوة وتأثيرها على السيادة الوطنية.

 

صمت رسمي وتصريحات مبهمة

رغم الجدل الواسع، لم تصدر الحكومة المصرية بيانًا رسميًا يؤكد أو ينفي نيتها بيع المبنى، مكتفية بتصريحات عائمة على لسان المتحدث باسم مجلس الوزراء، الذي قال في مايو 2025 إن "كل أصول الدولة تخضع لعملية مراجعة شاملة لضمان أفضل استغلال لها"، وهو تصريح فسره المحلل الاقتصادي هاني توفيق بأنه "تمهيد لخطوة البيع الفعلي".

أما وزير الزراعة الحالي، السيد القصير، فقد تهرّب من الرد المباشر عند سؤاله عن مصير المبنى خلال حوار تلفزيوني، قائلاً: "الوزارة تركز على تطوير القطاع الزراعي، وليس المباني".

هذا الغموض المتعمد يشير إلى أن هناك صفقة تُطبخ بهدوء خلف الكواليس، ربما لتجنب إثارة الرأي العام في ظل ظروف اقتصادية متوترة وتآكل للثقة بين الدولة والمواطن.

 

التداعيات السياسية والاقتصادية المحتملة

يحذر خبراء من أن بيع المبنى قد يؤدي إلى فقدان رمزي ومادي للدولة، خصوصًا أن المبنى يمثل إرثًا تاريخيًا يعكس تاريخ الزراعة المصرية ودورها في الأمن الغذائي.

كما أن ذلك قد يفتح الباب أمام نفوذ خارجي في قطاع حساس مثل الزراعة، مما قد يؤثر على السياسات الزراعية والاقتصادية في مصر.

وقد أشار سياسيون وعسكريون إلى أن هذه الخطوة قد تضعف من قدرة الدولة على التحكم في مواردها الحيوية، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية التي تواجهها مصر.

 

تباين في المواقف

في تصريحات متفرقة، أكد بعض المسؤولين أن بيع المبنى يأتي في إطار إعادة هيكلة الدولة وتحسين كفاءة الأصول، بينما عبر آخرون عن قلقهم من أن القرار قد يكون مدفوعًا بأجندات خارجية، خصوصًا مع تزايد الاهتمام الخليجي بالمبنى.

ولم يصدر حتى الآن بيان رسمي واضح يوضح مصير المبنى بشكل قاطع، مما يزيد من حالة الغموض والقلق بين المواطنين والمراقبين.

لا يقتصر القلق من بيع المبنى على البعد الاقتصادي فقط، بل يمتد ليشمل البعد الثقافي والتاريخي، فقد طالب عدد من أساتذة العمارة والتخطيط العمراني، أبرزهم الدكتور أحمد درويش (جامعة القاهرة)، بضرورة إدراج المبنى ضمن قائمة المباني التراثية المحمية بموجب القانون 144 لسنة 2006.

وأوضح درويش في مقال له بجريدة "الشروق" أن "التفريط في مبانٍ حكومية بهذا الثقل التاريخي يُفقد القاهرة هويتها المعمارية ويحوّلها إلى سوق عقارات مفتوح لصالح مستثمرين أجانب لا يعيرون القيمة التاريخية أي اهتمام".

كما حذرت منظمة التراث المصري (EGYHeritage) من أن بيع المبنى قد يشكّل سابقة خطيرة تدفع باقي الوزارات إلى بيع ممتلكاتها التراثية، بما فيها مبنى وزارة التعليم بشارع القصر العيني أو مقر وزارة الخارجية القديم.

 

تقارير الباحثين والنسب المتعلقة بالبيع

تشير تقارير محلية إلى أن نسبة كبيرة من الأصول الحكومية التي تم عرضها للبيع خلال السنوات الأخيرة تجاوزت 30% من إجمالي أصول الدولة العقارية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية للدولة.

كما أظهرت دراسات أن بيع المباني التاريخية قد يؤدي إلى تراجع في قيمة التراث الثقافي بنسبة تصل إلى 40% على المدى المتوسط، مما ينعكس سلبًا على السياحة والهوية الوطنية.

 

دلالة التوقيت

يأتي هذا القرار في وقت تشهد فيه المنطقة توترات سياسية واقتصادية، حيث تتجه أنظار الخليج نحو مصر كدولة محورية في المنطقة.

ويُفسر بعض المحللين هذا التوقيت بأنه محاولة لاستغلال الضغوط الاقتصادية والسياسية على مصر,

كما أن توقيت الإعلان عن البيع يتزامن مع تحركات إقليمية تهدف إلى تعزيز النفوذ الخليجي في مصر، مما يثير تساؤلات حول استقلالية القرار الوطني.