في فجر يوم الخميس 12 يونيو 2025، نفذت القوات الإسرائيلية عملية عسكرية ليلية في قرية بيت جن الواقعة جنوب غرب سوريا قرب الحدود مع لبنان والجولان المحتل، حيث اقتحمت المنطقة بقوة تضم نحو 100 جندي.
وأعلنت إسرائيل اعتقال سبعة فلسطينيين ينتمون لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بزعم أنهم كانوا يخططون لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، كما صادرت خلال العملية أسلحة نارية وذخيرة.
خلال العملية، أطلق الجنود الإسرائيليون النار مما أدى إلى مقتل شخص فلسطيني واحد، فيما تم اعتقال سبعة آخرين ونقلهم إلى الأراضي المحتلة للتحقيق معهم من قبل الوحدة العسكرية 504 التابعة للاستخبارات الإسرائيلية.
وأكد الجيش الإسرائيلي أن العملية تمت بناءً على معلومات استخباراتية جُمعت خلال الأسابيع الأخيرة، وأن المعتقلين هم من "مخربي منظمة حماس الإرهابية".
هذه العملية تمثل تصعيداً في سياسة إسرائيل التي تتجاوز حدود فلسطين المحتلة، مستهدفة لاجئين فلسطينيين وعناصر مقاومة مزعومة في دول الجوار، ما يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وسيادة سوريا.
وتزامن توقيت العملية مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، حيث يرى مراقبون أن إسرائيل تسعى من خلال هذه العمليات الاستباقية إلى تصدير أزمتها الأمنية والسياسية الداخلية نحو الجبهات الخارجية.
خلفية العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا
تشهد الأراضي السورية منذ سنوات متتالية سلسلة من الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع مختلفة داخل سوريا، خاصة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية وتدهور الوضع الأمني في البلاد.
في 8 ديسمبر 2024، استغلت إسرائيل الفراغ الأمني والسياسي الذي خلفه سقوط نظام بشار الأسد لتوسيع سيطرتها على مناطق في جنوب غرب سوريا، قريبة من هضبة الجولان المحتلة، معلنة إلغاء اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وشنّت حملة جوية وبحرية واسعة النطاق تحت اسم "عملية سهم الباشان"، استهدفت القدرات العسكرية السورية بما في ذلك مخازن الأسلحة الكيميائية.
هذه العمليات ليست جديدة، بل تتكرر منذ سنوات، مع تصاعد ملحوظ في 2023 و2024، حيث زادت الهجمات بنسبة 40% مقارنة بالسنوات السابقة، مستهدفة مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري ولحلفائه الإيرانيين.
الأسباب الاستراتيجية وراء الهجمات الإسرائيلية
تتعدد الأسباب التي تدفع إسرائيل لشن هذه العمليات، وأبرزها منع إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا واستخدام الأراضي السورية كقاعدة لإطلاق تهديدات ضد إسرائيل.
وفقاً لتقارير مركز جسور للدراسات، فإن تصاعد الهجمات الإسرائيلية مرتبط مباشرة بتوسع النشاطات الإيرانية في سوريا ومحاولات طهران تحويل سوريا إلى قاعدة لعملياتها ضد إسرائيل.
كما أن إسرائيل تسعى لتدمير القدرات العسكرية السورية، بما في ذلك تدمير مخازن الصواريخ والأسلحة الثقيلة، كما حدث في ضربات على مواقع تخزين صواريخ إيرانية في مصياف عام 2023.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى منع تشكيل جيش سوري قوي قد يشكل تهديداً مستقبلياً، خاصة بعد سقوط الأسد وظهور فراغ أمني.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين والسوريين
أدلى عدد من المسؤولين الإسرائيليين بتصريحات تؤكد أن الهدف من هذه العمليات هو منع سوريا من أن تصبح تهديداً لأمن إسرائيل.
وزير الدفاع الإسرائيلي في 3 أبريل 2025 وصف الغارات الأخيرة بأنها "تحذير للمستقبل" مؤكداً أن إسرائيل لن تسمح لسوريا بأن تشكل تهديداً لأمنها.
من جهة أخرى، أدان مسؤولون سوريون هذه الهجمات، واعتبروها انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، لكنهم أقروا بعدم قدرتهم على الدخول في صراع جديد مع إسرائيل في ظل الظروف الراهنة.
كما حذرت الأمم المتحدة من أن استمرار هذه العمليات العسكرية الإسرائيلية يهدد الانتقال السياسي الهش في سوريا ويعقد فرص الاستقرار في البلاد.
الأرقام والتأثيرات الميدانية للعمليات الإسرائيلية
منذ بدء العمليات الإسرائيلية المكثفة في ديسمبر 2024، نفذت القوات الإسرائيلية أكثر من 600 غارة جوية على مواقع سورية خلال ثمانية أيام فقط، مستهدفة بين 70% و80% من القدرات العسكرية الاستراتيجية السورية، بما في ذلك تدمير 15 سفينة حربية في ميناء اللاذقية.
كما أسفرت هذه العمليات عن مقتل المئات من العسكريين والمدنيين، حيث قُتل 296 شخصاً في أكثر من 220 غارة خلال عام 2023 فقط.
وقد استهدفت الغارات مراكز قيادة، مخازن أسلحة، قواعد جوية، ومواقع بحوث عسكرية، ما أدى إلى إضعاف كبير في القدرات العسكرية السورية وحلفائها الإيرانيين.
التداعيات الإقليمية والدولية لهذه العمليات
تؤدي العمليات الإسرائيلية المتكررة داخل الأراضي السورية إلى تفاقم التوترات الإقليمية، حيث تخشى دول المنطقة من تصاعد الصراع وتحوله إلى مواجهة أوسع.
كما أن هذه العمليات تثير انتقادات دولية واسعة، حيث أدانت السعودية والعديد من الدول العربية هذه الغارات باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي.
من جانبها، حذرت الأمم المتحدة من أن استمرار هذه العمليات يعرقل العملية السياسية في سوريا ويهدد استقرار المنطقة.
كما أن هذه الهجمات تزيد من تعقيد الأزمة السورية وتؤدي إلى مزيد من المعاناة للسكان المدنيين، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية في بلد يعاني من حرب مستمرة منذ أكثر من 14 عاماً.
باختصار، تشن إسرائيل عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بشكل متكرر لأسباب استراتيجية تتعلق بمنع إيران وحلفائها من ترسيخ وجودهم العسكري في سوريا، ولإضعاف القدرات العسكرية السورية، وتأتي هذه العمليات في توقيتات حساسة تعكس تحولات سياسية وعسكرية في المنطقة، مع تأثيرات ميدانية كبيرة وتداعيات إقليمية ودولية معقدة، هذه العمليات تعكس استمرار الصراع الإقليمي على النفوذ والأمن، وسط هشاشة الوضع السياسي في سوريا.