شهدت الأزمة اليمنية، التي تعد من أكثر الصراعات تعقيدًا في الشرق الأوسط، انفراجًا جزئيًا مهمًا مع الإعلان عن اتفاق جديد للتهدئة بين الأطراف المتنازعة، هذا الاتفاق الذي أعلن في 5 يونيو 2025، يهدف إلى وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، وسط جهود مكثفة إقليمية ودولية تدفع نحو إعادة إطلاق مسار السلام.

يأتي هذا الاتفاق بعد سنوات من النزاع الذي بدأ في 2014 وأسفر عن كارثة إنسانية حادة، ويمثل خطوة هامة على طريق إنهاء الحرب التي خلفت أكثر من 400 ألف قتيل ونزوح ملايين اليمنيين.

 

تفاصيل الاتفاق ومدة التهدئة

وقع الاتفاق في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، برعاية الأمم المتحدة وبحضور ممثلين من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وميليشيات الحوثي، حيث ينص الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، مع إمكانية التمديد في حال التزام الطرفين، ويشمل الاتفاق أيضًا إعادة فتح الطرق الرئيسية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

وفي تصريحات له، قال مبعوث الأمم المتحدة لليمن، هانس غروندبرغ، إن "هذا الاتفاق يمثل فرصة نادرة لإنهاء معاناة الملايين، لكنه يتطلب التزامًا حقيقيًا من الجميع"، وأكد أن مراقبة الالتزام ستتم عبر بعثة أممية خاصة ستتابع تنفيذ الاتفاق بشكل مباشر.

وأكد المبعوث الأممي إلى اليمن، في إحاطة أمام مجلس الأمن، استمرار النقاشات الجادة برعاية السعودية وسلطنة عمان، مشددًا على أهمية التوصل إلى وقف مستدام للنزاع.

من جانبها، أعلنت السعودية رغبتها في إنهاء الصراع المسلح والتركيز على مشاريع التنمية في إطار رؤية 2030، كما تسعى للحصول على التزامات من الحوثيين بوقف الهجمات على أراضيها وإنشاء منطقة عازلة على الحدود.

في المقابل، اشترط الحوثيون دفع رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لهم وضمان تسيير رحلات تجارية عبر مطار صنعاء وتأمين دخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة مقابل تمديد الهدنة

 

الأبعاد الإقليمية والدولية ودور الوساطة

جاء الاتفاق بعد جهود دبلوماسية مكثفة من قبل السعودية والإمارات، اللتين تلعبان دور الوسيط الرئيسي في الصراع، بالتعاون مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

وأشار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى أن "السلام في اليمن هو أولوية قصوى للمنطقة ويجب دعم هذا الاتفاق بكل الوسائل".

من جانبها، أعربت الولايات المتحدة عن ترحيبها بالاتفاق، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 6 يونيو 2025: "ندعم بشدة هذه الخطوة المهمة التي تمهد الطريق لمفاوضات سلام شاملة".

كما ساهمت الضغوط الدولية في دفع الأطراف نحو التهدئة، خاصة مع تزايد القلق العالمي من الأزمة الإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بأنها من الأسوأ في العالم.

 

أهمية الاتفاق

تسببت الحرب في اليمن منذ عام 2014 بأكبر أزمة إنسانية في العصر الحديث، حيث يحتاج نحو 24 مليون يمني إلى المساعدات الإنسانية، بينهم 12 مليون شخص على شفا المجاعة، حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2024.

وقد أدى استمرار القتال إلى تعطل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه، بالإضافة إلى انهيار الاقتصاد الوطني بنسبة تجاوزت 50% منذ بداية الصراع.

الاتفاق الجديد يحمل أملاً كبيراً في تخفيف معاناة المدنيين، خاصة عبر ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم. كما من المتوقع أن يخفف وقف إطلاق النار من نزوح السكان الداخلي ويتيح إعادة إعمار المناطق المتضررة.

أسهمت اتفاقات التهدئة السابقة في تحقيق بعض الانفراجات، حيث توقفت الهجمات الصاروخية على السعودية والإمارات، وتم السماح بتسيير رحلتين تجاريتين أسبوعيًا من صنعاء إلى الأردن ومصر، إضافة إلى تدفق الوقود عبر ميناء الحديدة، كما أدى الاتفاق الأخير إلى استئناف رحلات نقل الحجاج اليمنيين إلى السعودية لأول مرة منذ سبع سنوات.

على الصعيد الإنساني، انخفضت الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال بنسبة 40%، واستمرت عمليات تبادل الأسرى، حيث تم الإفراج عن أكثر من 880 أسيرًا في مارس الماضي.

اقتصاديًا، لا تزال التحديات كبيرة مع استمرار تدهور العملة المحلية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، حيث تشير تقارير اقتصادية إلى أن أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

 

التحديات والمخاطر التي تواجه تنفيذ الاتفاق

رغم التفاؤل، يواجه الاتفاق تحديات كبيرة تهدد استمراريته، منها التوترات السياسية داخل اليمن وصراعات النفوذ الإقليمية.

لا يزال هناك تحذيرات من بعض الجهات السياسية من احتمال خرق التهدئة، خاصة مع وجود مجموعات مسلحة غير خاضعة للسيطرة الكاملة على الأطراف المتنازعة.

كما أن الافتقار إلى ثقة متبادلة بين الأطراف يمثل عقبة رئيسية، بحسب تحليل نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في مايو 2025.

ومن ناحية أخرى، يشكل التمويل المحدود لبرامج المراقبة والمساعدات الإنسانية تحديًا إضافيًا أمام تنفيذ الاتفاق. لذلك، أكد المبعوث الأممي ضرورة "التزام دولي دائم ومستمر لدعم عملية السلام".

 

آفاق السلام في اليمن.. ما بعد التهدئة

يمثل الاتفاق خطوة أولى في مسار طويل نحو تحقيق السلام الدائم في اليمن، ومن المتوقع أن تتبع فترة التهدئة مفاوضات أوسع تشمل قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، خصوصًا إعادة تشكيل مؤسسات الدولة وإعادة إدماج المقاتلين في المجتمع.

وفي تصريح له بتاريخ 7 يونيو 2025، قال رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها، معين عبد الملك، إن "السلام هو الهدف الأسمى، ونتطلع إلى انخراط الجميع في حوار جاد لتجاوز الأزمة".

وفي المقابل، أكدت قيادات الحوثيين أنهم مستعدون للتفاوض ولكن بشرط احترام "حقوق الشعب اليمني وحفظ كرامته".