شهدت مصر في مايو 2025 ارتفاعًا ملحوظًا في معدل التضخم السنوي ليصل إلى 16.5% على مستوى الجمهورية، مقابل 13.5% في أبريل من نفس العام، أما في المدن، فقد بلغ معدل التضخم 16.8%، وهو أعلى من توقعات المحللين التي كانت تدور حول 14.9%.

هذا الارتفاع يأتي بعد فترة من التراجع النسبي في معدلات التضخم خلال الأشهر السابقة، لكنه يعكس عودة الضغوط التضخمية بقوة إلى المشهد الاقتصادي المصري، خاصة مع التغيرات الأخيرة في أسعار الطاقة وبعض السلع الأساسية.

كان لارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة التأثير الأكبر على زيادة معدل التضخم في مايو، فقد ارتفعت أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة 13.4%، تلتها الخضروات بنسبة 2.1%، واللحوم والدواجن بنسبة 1.2%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 2.4%.

كما شهدت أسعار الكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى زيادة بنسبة 2.1% بعد قرار حكومي برفع أسعار الوقود بنحو 15% في منتصف أبريل، ضمن خطة تحرير أسعار الطاقة بالكامل بنهاية 2025.

وامتدت الزيادات لتشمل الملابس الجاهزة بنسبة 2.9%، والأحذية بنسبة 1.2%، إلى جانب ارتفاع أسعار المنتجات الطبية بنسبة 6.9%.

في تعليق رسمي، أكد وزير مالية الانقلاب في مؤتمر صحفي يوم 8 يونيو 2025 أن الحكومة تتابع عن كثب تطورات التضخم، مشيراً إلى أن الارتفاع في الأسعار مؤقت ويأتي في ظل عوامل خارجية مؤثرة على الاقتصاد العالمي.

وأضاف أن الحكومة تعمل على توفير شبكات حماية اجتماعية للفئات الأكثر تأثراً، مع الحفاظ على استقرار السياسات النقدية والمالية.

من جانبه، أوضح محافظ البنك المركزي، هاني رفاعي، في بيان صدر يوم 9 يونيو، أن البنك «سيواصل سياسته النقدية الحذرة مع إمكانية رفع أسعار الفائدة للحد من الضغوط التضخمية».

 

أسباب الارتفاع

يرجع خبراء الاقتصاد هذا الارتفاع الحاد في التضخم إلى ما يُعرف بتأثير سنة الأساس، حيث تتم مقارنة الأسعار الحالية بمستويات منخفضة نسبيًا في العام السابق، كما ساهمت الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها حكومة الانقلاب، خاصة رفع أسعار الوقود، في دفع الأسعار إلى الأعلى.

ويشير المحللون إلى أن هذه الإصلاحات كانت ضرورية من وجهة نظر حكومة الانقلاب للحصول على دعم مالي من المؤسسات الدولية، لكنها أدت إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، خاصة في السلع والخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.

 

انعكاسات التضخم على السياسة النقدية

في ظل هذا التصاعد في معدلات التضخم، لجأ البنك المركزي المصري إلى تخفيض سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة بمقدار 225 نقطة أساس في أبريل، ثم خفضه مرة أخرى بمقدار 100 نقطة أساس في مايو ليصل إلى 25%، إلا أن الارتفاع الأخير في التضخم قد يدفع البنك المركزي إلى إعادة النظر في سياسته النقدية خلال الاجتماعات المقبلة، خصوصًا مع استمرار الضغوط التضخمية في السوق المحلية.

ويظل التضخم الأساسي، الذي استبعد السلع الأكثر تقلبًا مثل الغذاء والطاقة، مؤشرًا مهمًا لتقييم الضغوط الكامنة في الاقتصاد، حيث ارتفع إلى 13.1% في مايو مقارنة بـ10.4% في أبريل.

 

تأثيرات اجتماعية واقتصادية ملموسة

انعكس ارتفاع التضخم بشكل مباشر على حياة المواطنين، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية والخدمات بشكل ملحوظ، وشملت الزيادات الملابس، الأحذية، الإيجارات، صيانة المنازل، النقل، والمنتجات الطبية، ما أدى إلى زيادة الأعباء على الأسر المصرية، خاصة الفئات محدودة ومتوسطة الدخل.

وتأتي هذه التطورات في ظل تنفيذ الحكومة لبرنامج إصلاح اقتصادي واسع النطاق، يتضمن تحرير أسعار الطاقة وتوجيه الدعم للفئات الأكثر احتياجًا، إلا أن الضغوط المعيشية تظل قائمة مع استمرار موجة الغلاء.

 

تصريحات وتوقعات مستقبلية

أكد مسؤولو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة يشكل تحديًا رئيسيًا أمام جهود السيطرة على التضخم.

من جانبهم، شدد مسؤولو البنك المركزي على أهمية متابعة التطورات الاقتصادية عن كثب، مع الحفاظ على مرونة السياسة النقدية لمواجهة أي مستجدات.

ويتوقع الخبراء أن تستمر معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة خلال الأشهر المقبلة، خاصة مع استمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والتزامات الحكومة بتحرير أسعار الطاقة بالكامل بنهاية العام.

في هذا السياق، يبقى الفشل الأكبر للحكومة هو عدم تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية وحماية الفئات الأكثر تضررًا من موجة ارتفاع الأسعار، وعدم مراقبة التطورات المحلية والعالمية التي قد تؤثر على معدلات التضخم مستقبلًا.