بدأت الأزمة بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس التنفيذي لشركة تسلا وسبيس إكس، إيلون ماسك، عقب توقيع ترامب في 5 يونيو 2025 على "قانون الإنفاق الكبير والجميل".
تضمن القانون خفض إعانات السيارات الكهربائية، وهو ما اعتبره ماسك ضربًا مباشرًا لمصالحه التجارية.
وصف ماسك المشروع بأنه "قبيح ومقزز"، ودعا أعضاء مجلس الشيوخ لرفضه.
رد ترامب بتغريدة هاجم فيها ماسك وهدد بإلغاء المليارات من العقود الفيدرالية الممنوحة لشركاته، مؤكدًا أن ذلك “أسهل طريقة لتوفير مليارات في ميزانيتنا”.
كان لهذا التوتر جذور في العلاقة الوثيقة التي جمعتهما منذ سبتمبر 2024، حين دعى ترامب ماسك لإطلاق "لجنة كفاءة الحكومة"، وقاد ماسك حملاته الانتخابية بمساهمات تقترب من 290 مليون دولار.
المناوشات العامة وتداعيات السوق
على الفور، احتدمت المعركة الكلامية علنًا على المنصات الاجتماعية، حيث شن ماسك هجومًا على الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب، محذرًا من أن ذلك قد يؤدي إلى "ركود في النصف الثاني من هذا العام".
وفي اليوم التالي، هبطت أسهم تسلا بنحو 14.2٪، ما تسبب بانخفاض القيمة السوقية للشركة بأكثر من 150 مليار دولار، وخسارة صافية لماسك بلغت نحو 34 مليار دولار.
رد ترامب بعبارات حادة، واعتبر أن ماسك "فاقد للاتزان"، ملوّحًا بإيقاف العقود الحكومية ودعم السيارات الكهربائية.
الاعتمادية المتبادلة والمخاطر الوطنية
رغم التوترات، إلا أن تبادل المصالح بين الطرفين لا يزال واضحًا، وخاصة في قطاع الفضاء. تعتمد الحكومة الأمريكية بشكل كبير على مشاريع ماسك، التي تضم أكثر من 22 مليار دولار من العقود مع وكالة ناسا ووزارة الدفاع، و485 مهمة فضائية منذ تأسيس سبيس إكس عام 2002.
حتى مع التهديد بإلغاء العقود، يبدو أن الجيش والكونغرس يقفان في الخلفية للحفاظ على استمرار تلك المشاريع، لضمان استمرارية مهام مثل إرسال الرواد والحمولات الفضائية.
البُعد السياسي الداخلي والخارجي
على الصعيد المحلي، أثارت الأزمة صراعات حزبية داخل المعسكر الجمهوري. فقد انتقل ماسك نحو دعم حزب ثالث محتمل وهدّد ترامب بدعم عزله، كما انشق اثنان من كبار مسؤولي حملة ترامب لصالح لجنة دعم ماسك الانتخابية.
إن التشتت داخل الحزب الجمهوري قد يؤثر على انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، مع سعي ماسك لإعادة رسم التوازن بخيارات جديدة.
وعلى الصعيد الدولي، أثارت الأزمة قلقًا واسعًا، مع تحليق أسعار الذهب، وضعف الدولار، وتحذيرات من خبراء حول اضطراب محتمل في سوق السندات الأمريكي بسبب ارتفاع المعدلات وتهديد ترامب بتعطيل بعض الالتزامات المالية.
التداعيات التنظيمية والقانونية
بات ماسك الآن عرضة لفحص مكثف من قبل الجهات التنظيمية، تشمل مجلس الاتصالات الفدرالي، وإدارة الغذاء والدواء، والهيئة البيئية، بالإضافة إلى تحقيقات محتملة من قبل وزارة العدل طالت أنشطة سبيس إكس وتسلا.
من جهته، يحارب ترامب للتعجيل بإغلاق وكالات حكومية بالكامل مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الأمر الذي أثار موجة دعاوى قضائية متزايدة تطالب بوقف الأعمال وإعادة النظر في قانونيتها.
انعكاسات على السياسات الأمريكية المستقبلية
تشير الأزمة إلى أن السنوات القادمة نحو 2026 ستشهد صراعات متصاعدة حول مستقبل الإنفاق الفيدرالي، والتقنيات الحكومية، وشكل الدعم الصناعي للقطاع الخاص.
مشروع لجنة كفاءة الحكومة، رغم نجاحه في إقالة نحو 10,000 موظف حكومي وتوفير تقديرات بنحو 160 مليار دولار (مع تحفظات حول دقتها)، يعرض الحكومة لتهم بانتهاك الدستور وحرف السلطة لأفراد معينين.
كما أن تحول ماسك نحو دعم حزب ثالث قد يعزز التعددية الحزبية ويعيد تشكيل التحالفات التقليدية. أما العلاقة بين ترامب وماسك، فهي مثال صارخ على خطورة بقاء المشاريع الوطنية في قبضة أمراء رأسماليين، مما يضع المؤسسات أمام تحدٍ استراتيجي في التأكد من عدم اختراق استقلالها عبر نزاعات سياسية خاصة.
الخلاصة
تجسد خلاف ترامب – ماسك اليوم صدامًا مركبًا: بين الملكيات المالية الضخمة والسلطة السياسية، بين الفرد والمؤسسة، وبين الأهداف الاقتصادية والسيادية للدولة.
لن تتوقف تداعياتها عند حدود القطاع التكنولوجي أو السوق المالي، بل ستملك تأثيرًا طويل الأمد على دور الحكومة الأمريكية، ومعايير الشفافية والحكم، وأيضًا على خارطة اللعبة السياسية في الولايات المتحدة.