في ظل تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار الاستيراد، تستعد الحكومة لفرض زيادات جديدة ومتتالية على أسعار غاز المنازل، تصل إلى ثلاث زيادات إضافية حتى عام 2027، بهدف الوصول إلى "السعر الحقيقي" لتكلفة إنتاج المتر المكعب من الغاز، بحسب ما كشفه مصدر رفيع في الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس".

الزيادة الجديدة التي بدأت بالفعل مع فاتورة يونيو الجاري، لن تكون الأخيرة، بل جزء من خطة أوسع لتحرير أسعار الغاز المنزلي تدريجياً خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي خطة وصفها المصدر بأنها "حتمية" لمواجهة الفجوة المتزايدة بين التكلفة الفعلية وسعر البيع للمستهلك.

 

زيادات تراكمية على الشرائح الثلاث

وبحسب البيانات، شهدت الشرائح الثلاث لأسعار غاز المنازل قفزات كبيرة هذا الشهر:

الشريحة الأولى (من صفر إلى 30 مترًا مكعبًا): ارتفعت من 3 إلى 4 جنيهات، بنسبة زيادة بلغت 33.3%.

الشريحة الثانية (من 30 إلى 60 مترًا): ارتفعت من 4 إلى 5 جنيهات، بزيادة 25%.

الشريحة الثالثة (أكثر من 60 مترًا): قفزت من 5 إلى 7 جنيهات، أي بزيادة 40%.

الزيادة تأتي بعد شهر واحد فقط من قرار لجنة التسعير التلقائي للوقود رفع سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلية من 150 إلى 200 جنيه، والتجارية من 300 إلى 400 جنيه، وهو ما يعكس تحولًا واضحًا في استراتيجية الدولة نحو رفع الدعم تدريجيًا عن مصادر الطاقة المنزلية.

 

تراجع الإنتاج وزيادة الأعباء

وأوضح المصدر في "إيجاس" أن الزيادات جاءت مدفوعة بعدة عوامل، أبرزها ارتفاع تكلفة شراء الغاز من الشركاء الأجانب، والتي زادت بنسب تتراوح بين 25 و40% خلال العام المالي الجاري، ما فرض عبئًا ماليًا ضخمًا على وزارة البترول. وأضاف أن الحكومة باتت مضطرة لتعديل تسعيرة الغاز بغرض تحفيز الشركاء الأجانب على مواصلة ضخ الاستثمارات في قطاع الغاز، رغم انخفاض الجدوى الاقتصادية.

لكن الأزمة الأعمق، بحسب المصدر، تتمثل في تراجع إنتاج مصر من الغاز إلى أقل من 4.5 مليار قدم مكعبة يوميًا، مقارنة بحاجتها الفعلية المقدرة بنحو 6 مليارات قدم. هذا الانخفاض الحاد في الإنتاج دفع الحكومة إلى اللجوء إلى استيراد الغاز المسال وتكبد تكاليف باهظة لاستئجار سفن "تغويز" لتحويله إلى حالته الغازية وضخه في الشبكة القومية، وهي خطوة وصفها خبراء بأنها مكلفة لكنها ضرورية لتجنب انهيار منظومة الطاقة المنزلية.

 

إسرائيل تُغلق الصنبور.. ومصانع تتوقف

وتفاقمت الأزمة مع إعلان إسرائيل عن تنفيذ صيانة دورية لخطوط تصدير الغاز لمصر، ما أجبر الحكومة على اتخاذ قرارات عاجلة مثل خفض إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة والميثانول بنسبة 50% في منتصف مايو، ولمدة 15 يومًا على الأقل، وهو ما تسبب في توقف الإنتاج في بعض المنشآت الصناعية الحيوية.

وصرّح مصطفى مدبولي، رئيس حكومة عبدالفتاح السيسي، الأسبوع الماضي بأن الحكومة تستهدف تدبير أربع سفن تغويز جديدة لضمان استمرار إمدادات الكهرباء، في محاولة لتجنب تكرار أزمة انقطاعات الكهرباء التي شهدتها البلاد خلال صيف 2023.

 

هل يكون المواطن هو الضحية؟

بين تراجع الإنتاج، واضطرابات الإمدادات، وارتفاع تكلفة الاستيراد، يبدو أن الحكومة قررت تحميل المواطن جزءًا متزايدًا من عبء الأزمة. فبدلًا من البحث عن بدائل تمويل أو ترشيد للاستهلاك الصناعي غير الضروري، تتجه الدولة بخطى ثابتة نحو رفع الدعم بالكامل عن الغاز المنزلي.

ورغم خطورة تلك الزيادات على الفئات الفقيرة والمتوسطة، فإن المصدر في "إيجاس" أكد أن الحكومة "لن تتحمل وحدها تكلفة ارتفاع الأسعار"، مشددًا على أن "تطبيق التسعير الحقيقي بات مسألة وقت، لا خيار".

 

إلى أين تتجه الأسعار؟

مع ارتفاع الأسعار بنسبة وصلت إلى 40% لبعض الشرائح هذا الشهر، ومع وجود خطة رسمية لزيادتين أو ثلاث أخريات حتى 2027، فإن التكلفة النهائية للمتر المكعب من الغاز قد تتضاعف في غضون 3 سنوات، لتتحول فواتير الغاز إلى عبء شهري جديد فوق أكتاف ملايين الأسر.

وفي ظل غياب سياسات واضحة لحماية الفقراء، وعدم وجود آليات شفافة لتعويضهم أو دعمهم، يُخشى أن تتحول أزمة الغاز إلى عامل تفاقم إضافي لموجة التضخم المرتفعة أصلاً، وسط تصاعد أسعار الغذاء، والكهرباء، والمياه، والنقل.