عبد الفتاح السيسي، الذي وصل إلى الحكم بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013، ولا يختلف عليه أحد أنه سعى لترسيخ سلطته عبر أدوات تشريعية وإجراءات أمنية وقضائية موسعة، فمنذ توليه الحكم، أقر مئات القوانين التي تعزز قبضة الدولة على الإعلام، الاقتصاد، والمجتمع المدني.
وبلغ عدد القوانين التي أصدرها حتى عام 2024 أكثر من 1,200 قانون، كثير منها صدر خلال فترات غياب البرلمان، خاصة في 2014 و2015.
ومن بينها قانون جديد صدر عام 2025 يسمح لوزير البترول بالتعاقد مباشرة مع شركات محلية وأجنبية للبحث والتنقيب عن البترول والغاز واستغلالهما في مناطق مختلفة من مصر، مثل شرق بورسعيد والبحر المتوسط والصحراء الشرقية، دون الحاجة لموافقة برلمانية مسبقة.
هذا القانون يأتي في سياق استراتيجي للدولة المصرية لتعزيز إنتاج الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، لكنه يثير تساؤلات حول جدواه الحقيقية ومدى شفافيته.
جدوى القانون وتأثيره على الاقتصاد المصري
يهدف القانون إلى جذب استثمارات ضخمة في قطاع البترول والغاز، حيث تم توقيع أكثر من 130 اتفاقية منذ 2013 باستثمارات تصل إلى 18.1 مليار دولار، مع التزام بحفر مئات الآبار الاستكشافية.
هذه الاتفاقيات تركز على زيادة الإنتاج المحلي من الغاز والنفط، ما يسهم في تعزيز الأمن الطاقي وتقليل فاتورة الاستيراد، وهو ما يفيد الاقتصاد المصري بشكل عام.
كما أن القانون يتضمن منحاً غير مستردة وبرامج تدريبية لموظفي الهيئة المصرية العامة للبترول، مما يعزز القدرات الفنية المحلية.
توقيت القانون مثير للشكوك
صدر القانون الجديد في مايو 2025، في وقت تواجه فيه مصر أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث تجاوز التضخم 35% وانخفض الجنيه المصري إلى مستويات تاريخية أمام الدولار (1 دولار = 65 جنيهًا تقريبًا)، وسط هذه الظروف، جاء القانون ليمنح وزير البترول الحق في التعاقد مباشرة مع الشركات الأجنبية أو المحلية للبحث عن البترول دون رقابة برلمانية، ما أثار شكوكًا حول الشفافية وغياب الرقابة الشعبية.
ويرى مراقبون أن توقيت إصدار القانون يستهدف جذب استثمارات عاجلة في قطاع الطاقة لإنعاش الاقتصاد المترنح، خاصة بعد توقيع مصر اتفاقيات سابقة مع شركات عالمية مثل "إيني" الإيطالية و"بي بي" البريطانية، والتي جلبت استثمارات بقيمة 30 مليار دولار منذ 2015 حتى 2022، وفقًا لبيانات وزارة البترول.
الفساد والمحسوبية في قطاع البترول والطاقة
رغم أهمية قطاع الطاقة لمصر، إلا أنه ظل لسنوات عرضة لشبهات الفساد والمحسوبية، ففي عام 2012، نشرت منظمة الشفافية الدولية تقريرًا صنفت فيه مصر ضمن الدول ذات المخاطر العالية في العقود البترولية.
كما أشارت تقارير رقابية إلى تضارب مصالح في بعض العقود التي أبرمتها الهيئة المصرية العامة للبترول.
القانون الجديد يُخشى أن يعمق هذا الإشكال، إذ يسقط أحد أهم أدوات الرقابة وهي موافقة البرلمان، ويضع صلاحيات ضخمة بيد وزير واحد، ما يفتح الباب أمام توجيه العقود لشركات مقربة من النظام أو شخصيات نافذة.
ومن المعروف أن كثيرًا من رجال الأعمال المقربين من الأجهزة السيادية يمتلكون أسهمًا في شركات مقاولات أو خدمات نفطية، ما يثير علامات استفهام حول من المستفيد الحقيقي من هذه التسهيلات.
هل يستفيد المواطن المصري من موارد البترول؟
رغم أن مصر أعلنت منذ عام 2019 تحقيق "الاكتفاء الذاتي" من الغاز الطبيعي، وبدأت في تصدير الفائض، إلا أن المواطن المصري لم يلمس تحسنًا ملموسًا في الخدمات أو الأسعار، بل بالعكس، شهدت البلاد زيادات متتالية في أسعار الكهرباء والغاز والمشتقات البترولية ضمن برنامج "تحرير الدعم" المفروض من قبل صندوق النقد الدولي.
وبينما تبلغ صادرات الغاز المصرية حاليًا نحو 8 مليارات دولار سنويًا، وفق أرقام وزارة البترول، لا تزال هذه العائدات لا تنعكس على دخل الفرد أو جودة المعيشة، ويُرجع الخبراء ذلك إلى هيمنة الدولة وأذرعها الأمنية على عوائد هذه القطاعات، في ظل غياب رقابة ومحاسبة حقيقية.
خلاصة وتوصيات
تكشف القوانين الجديدة، وعلى رأسها قانون التعاقدات البترولية، أن النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي يستخدم أدوات الاقتصاد، لا سيما قطاع الطاقة، كوسيلة لتثبيت سلطته وتوسيع شبكات النفوذ، لا كمصدر لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية. وفي ظل غياب الشفافية وتآكل المؤسسات الرقابية، تزداد الفجوة بين الشعارات الرسمية والواقع المعيشي.