أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن وزير الخارجية عباس عراقجي سيزور مصر ولبنان يومي الاثنين والثلاثاء الأسبوع المقبل بداية يونيو 2025، وتأتي في سياق جولات إقليمية يقوم بها عراقجي تشمل دولاً عربية مؤثرة مثل السعودية وقطر والإمارات، ما يعكس رغبة طهران في توسيع دائرة التعاون مع الدول العربية الكبرى.
تأتي هذه الزيارة بدعوة من وزير خارجية الانقلاب المصري بدر عبد العاطي، وتهدف إلى مناقشة العلاقات الثنائية والتشاور حول آخر المستجدات الإقليمية، خاصة التطورات في فلسطين المحتلة.
كما ستشمل الزيارة لقاءات مع نخبة مصرية وعدد من الإيرانيين المقيمين في مصر، بالإضافة إلى بحث الخطوات العملية لتعزيز التعاون بين البلدين.
أهداف الزيارة ومضمونها
الزيارة تهدف إلى مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، وتبادل الرؤى حول آخر المستجدات الإقليمية والدولية، مع تركيز خاص على التطورات في فلسطين المحتلة، حيث تعد القضية الفلسطينية محوراً مشتركاً في السياسة الخارجية لكل من مصر بحكم الحدود وإيران بحكم الدعم المقدم للمقاومة.
كما ستتناول المباحثات الأزمات الإقليمية الأخرى ذات الاهتمام المشترك مثل السودان وليبيا وسوريا ولبنان وغزة، بالإضافة إلى التشاور بشأن تطورات العلاقات الثنائية والخطوات اللازمة لتعزيزها.
تأتي الزيارة في إطار جهود مصر المعلنة من سلطة الانقلاب لتعزيز دورها كوسيط إقليمي فاعل في القضايا الساخنة بالمنطقة، حيث تسعى القاهرة إلى تحقيق توازنات للقوى في الشرق الأوسط ومنع اندلاع حرب إقليمية تهدد استقرار المنطقة.
وتؤكد زيارة عراقجي حرص مصر على التواصل الدوري مع إيران لخفض التصعيد وتحقيق التهدئة، خاصة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة.
من الملفات المهمة التي ستناقشها الزيارة قضايا أمن الملاحة في البحر الأحمر، والتي تؤثر بشكل مباشر على حركة التجارة الدولية وعائدات قناة السويس التي شهدت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث بلغت خسائر قناة السويس أكثر من 7 مليارات دولار بسبب التحديات الأمنية والاقتصادية، فهذا الملف يعكس أهمية التعاون بين البلدين للحفاظ على استقرار المنطقة البحرية الحيوية.
كما تستضيف القاهرة أيضاً اجتماعاً ثلاثياً بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، بهدف تعزيز التعاون وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.
هذا الاجتماع يعكس دور مصر كمنصة دبلوماسية مهمة في المنطقة، ويعزز من مكانتها في متابعة القضايا الدولية الحساسة.
دلالات سياسية ورسائل تطبيع
زيارة عراقجي تعكس رغبة إيران في تحسين العلاقات مع مصر، وهو ما ينسجم مع توجهات معظم الدول العربية نحو تعزيز علاقاتها مع طهران دون التدخل في الشؤون الداخلية، مما يفتح آفاقاً جديدة للتقارب والتعاون في مختلف المجالات.
كما تشير الزيارة إلى إمكانية تمهيد الطريق لزيارات رئاسية متبادلة بين البلدين، وتعزيز دور مصر في الوساطة الإقليمية والدولية.
العلاقات المصرية الإيرانية.. جذور قديمة وتوترات متجددة
تعود العلاقات بين مصر وإيران إلى القرن التاسع عشر، حيث شهدت بداياتها مع توقيع اتفاقية أرضروم بين الدولة القاجارية والدولة العثمانية، والتي سمحت لإيران بفتح قنصلية في القاهرة، وكان أول سفير إيراني هو حاجي محمد صادق خان.
شهدت العلاقات تطوراً في بدايات القرن العشرين، خاصة مع توقيع اتفاقات صداقة في 1928 وزواج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق من ابن الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، مما عزز الروابط بين البلدين.
لكن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 قلبت موازين العلاقات، حيث قرر آية الله الخميني قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر كرد فعل على توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل واستضافة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للشاه الإيراني في 1980.
العلاقات الدبلوماسية..
رغم عدم وجود سفارات كاملة التمثيل حتى اليوم، شهدت العلاقات المصرية-الإيرانية خلال السنوات الأخيرة محاولات خجولة للتقارب، ففي عام 2017، التقى وزراء خارجية البلدين على هامش اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي، كما سمحت القاهرة لإيران بزيادة أنشطتها الثقافية والإعلامية عبر مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة.
على الجانب الاقتصادي، أشار تقرير للبنك المركزي المصري عام 2022 إلى زيادة طفيفة في التبادل التجاري بين البلدين بلغ 150 مليون دولار، في حين أبدت شركات إيرانية استعدادها للاستثمار في قطاعات الطاقة والدواء في السوق المصرية.
الموقف المصري بعد انقلاب السيسي
منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 الذي قاده عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر تحولات سياسية وأمنية كبيرة، حيث اعتبر السيسي نفسه حامياً للاستقرار الوطني، لكنه واجه انتقادات واسعة بسبب قمع المعارضة وتقييد الحريات.
في هذا السياق، ظلت العلاقات مع إيران متوترة، إذ تتهم القاهرة طهران بدعم جماعات معارضة في المنطقة، رغم محاولات متقطعة لإعادة التواصل، ومع ذلك، حرص السيسي على خفض التصعيد الإقليمي، كما عبر في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في مارس 2025، مؤكدًا على أهمية الاستقرار ومنع اتساع الصراع في المنطقة، خاصة في غزة.
كما بحث وزير خارجية الانقلاب المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي في مارس 2025 حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، مؤكداً ضرورة ضبط النفس في ظل الأوضاع الحرجة
الخلاصة..
رغم المحاولات المتكررة لتحسين العلاقات، تبقى العلاقة بين مصر وإيران معقدة بسبب عوامل تاريخية وسياسية، فإن مصر في عهد السيسي، الذي جاء بانقلاب عسكري، تتعامل بحذر مع إيران، معتبرة أن مصالحها العليا تتطلب ضبط العلاقات وعدم الانجرار إلى صراعات إقليمية قد تؤثر على استقرارها الداخلي والاقتصادي.