رغم الهدوء النسبي الذي يسود طرابلس هذا الأسبوع، لا تزال العاصمة الليبية الغربية تعيش حالة من الاضطراب، حسبما ذكرت دويتشه فيله في تقرير لها. واندلعت مواجهات في أوائل مايو بين جماعات مسلحة وقوات موالية للحكومة بعد أن أصدر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة مرسوماً بحل عدد من الميليشيات، من بينها ميليشيا "جهاز دعم الاستقرار" النافذة، وقُتل قائد الجهاز خلال المواجهات.

بحسب دويتشه فيله، خلّفت هذه الاشتباكات ثمانية قتلى مدنيين على الأقل، وفقاً للأمم المتحدة، فيما عُثر لاحقاً على 58 جثة في مستشفى كان يخضع لسيطرة الجهاز. أكدت حنان صلاح، الباحثة في هيومن رايتس ووتش، أن القتال وسط الأحياء السكنية يكشف "استهانة تامة بحياة المدنيين ومصادر رزقهم".
 

انقسام سياسي عميق

منذ عام 2014، تنقسم ليبيا بين حكومتين متنافستين: حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس بقيادة الدبيبة، وحكومة أخرى شرق البلاد في طبرق يقودها أسامة حماد، بدعم من الجنرال السابق خليفة حفتر. يفرض حفتر سيطرته على الميليشيات في الشرق بقبضة أمنية، بينما يسمح الدبيبة بتعدد الفصائل المسلحة غرباً. ويرى مراقبون أن محاولة الدبيبة الأخيرة لحل الميليشيات تشير إلى مساعٍ لتقليد نهج حفتر في إحكام السيطرة.

انتهت الاشتباكات منتصف مايو باتفاق غير معلن بين الميليشيات وحكومة الدبيبة، أعقبه خروج مظاهرات شعبية تطالب بإجراء انتخابات وطنية واستئناف صياغة الدستور، وكلا المسارين توقفا بعد تعثر عملية السلام الأممية في ديسمبر 2021.ودعا آلاف المحتجين إلى استقالة الدبيبة، لكنه لم يستجب، واكتفى بتأكيد "استبعاد من يلجأ إلى الفساد والابتزاز"، معلناً أن "ليبيا دون ميليشيات وفساد هي الهدف".

يتفق المراقبون على أن الدبيبة يسعى لترسيخ سلطته، في ظل مشهد سياسي متأزم.
 

أزمة متجذرة وتنازع على الغنائم

يقول تيم إيتون، الباحث في مركز تشاتام هاوس بلندن، إن الصراع تجمد في السنوات الأخيرة بسبب تقاسم النفوذ بين الفاعلين، لكن المجموعات المسلحة ظلت تتنافس للسيطرة على مزيد من مؤسسات الدولة. ويشير إلى أن التوتر الأخير تفجّر نتيجة صراع على إدارة شركة الاتصالات والبريد الليبية، التي تملك احتكارات استراتيجية.

يرى إيتون أن ليبيا تقف على حافة حرب أهلية جديدة، لكنه يرى أيضاً فرصة لتحقيق تقدم سياسي، كما حدث في أوقات سابقة مثل 2014 و2020، حين أدت موجات العنف إلى تحولات سياسية لاحقة. يؤكد أن اللحظة الحالية قد تكون مناسبة لإعادة تفعيل المسار السياسي.
 

فرصة أم أزمة جديدة؟

يشدد محمد الديري، وزير الخارجية الأسبق في حكومة طبرق، على أهمية تشكيل حكومة موحدة كخطوة أولى نحو تجاوز الانقسام. ويرى أن الأزمة الحالية تفتح الباب أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، إذا استغل المجتمع الدولي والزعماء المحليون هذه الفرصة بشكل عقلاني.

في الوقت نفسه، طرحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، التي أُنشئت عام 2011 لدعم الانتقال السياسي، أربع خيارات كخارطة طريق للخروج من المرحلة الانتقالية. تشمل هذه الخيارات: إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، أو البدء بانتخابات برلمانية ثم اعتماد دستور دائم، أو اعتماد الدستور أولاً، أو تشكيل لجنة حوار سياسي تُنجز قوانين الانتخابات وتحدد الصلاحيات التنفيذية.

توضح حنان صلاح من هيومن رايتس ووتش أن "الأزمة السياسية والانتهاكات الحقوقية لن تُحل بسرعة"، وتضيف أن "الانتخابات الحرة والنزيهة ما تزال بعيدة المنال، لكن في النهاية لا تملك الأطراف الليبية المتناحرة خياراً آخر سوى التوافق."

يبقى مستقبل ليبيا معلقاً بين سيناريوهين: فإما أن تقود الأحداث الحالية إلى انفجار جديد يعمّق الفوضى، أو تُشكّل منطلقاً لتحول سياسي حقيقي، تُبنى عليه مؤسسات موحدة وديمقراطية.
 

https://www.dw.com/en/between-chaos-and-democracy-libya-at-crossroads-again/a-72733882