سقوط الفرعون: كيف خسر السيسي المال والحلفاء والمكانة في الشرق الأوسط الجديد؟
الاثنين 2 يونيو 2025 10:30 م
نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريراً تحليلياً صادماً بعنوان "الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد"، وضعت فيه عبد الفتاح السيسي في صدارة قائمة الزعماء الذين فقدوا نفوذهم ومكانتهم وسط التحولات الإقليمية الجذرية.
وبينما كان السيسي يوماً ما حليفاً مفضلاً لدى الغرب والخليج، بات اليوم مهمّشاً، فاقد التأثير، غارقاً في أزمة اقتصادية طاحنة، ومعزولاً عن تحالفات القوة الجديدة في المنطقة.
من القمة إلى الهامش: السيسي بين أمسٍ مشرق واليوم المُعتم
ذكّرت المجلة بعام 2017 حين وقف السيسي في قلب المشهد الإقليمي والدولي. فقد استُقبل حينها بحفاوة نادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصفه بـ"ديكتاتوره المفضل"، كما شارك رمزياً في قمة الرياض إلى جانب ترامب وملوك الخليج، في ذروة محاولته تثبيت نفسه كزعيم إقليمي قوي.
لكنّ تلك اللحظة لم تدم. فمع تغير الخرائط السياسية في الشرق الأوسط، أعادت واشنطن وحلفاؤها ترتيب أولوياتهم وتحالفاتهم، دون أن تشمل مصر أو قيادتها في حساباتهم الجديدة.
اقتصاد على حافة الانهيار: مشاريع وهمية وديون بلا أفق
ترى إيكونوميست أن السيسي كان مهندساً لـ"كارثة اقتصادية ممنهجة". بدلاً من إجراء إصلاحات هيكلية مستحقة، ضخّ النظام المصري مليارات الدولارات في مشاريع عملاقة عديمة الجدوى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وشبكات الطرق والكباري الفارهة، ومشاريع ترفيهية لا تلامس احتياجات المواطن.
وقد تم تمويل هذه المشاريع عبر الاقتراض الخارجي والمحلي، ما أغرق البلاد في مستنقع ديون غير مسبوق. فوفق بيانات وزارة التخطيط، بلغ الدين العام المحلي نحو 13.3 تريليون جنيه حتى الربع الثالث من 2024، بينما تخطى الدين الخارجي 155.3 مليار دولار، دون أي تحسّن يذكر في مؤشرات الفقر أو البطالة أو الإنتاج.
منذ أول قرض حصل عليه السيسي من صندوق النقد الدولي عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار، توالت القروض حتى تخطّت 28 مليار دولار، معظمها لم يُستخدم في دعم الإنتاج أو التعليم أو الصحة، بل تبخر في منظومة تتحكم بها المؤسسة العسكرية ورجال أعمال مقربون من النظام.
الخليج يتراجع.. والرضوخ لم يُنقذ النظام من العزلة
وبحسب المجلة، فإن أحد أبرز التحولات المفصلية هو تخلي حلفاء السيسي في الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، عن دعمهم غير المشروط له.
فبعد أن أنقذوه عقب انقلاب 2013 بضخ أكثر من 50 مليار دولار، أصبحوا أكثر براغماتية في التعامل مع القاهرة، ورفضوا تقديم المزيد من المساعدات دون مقابل اقتصادي مباشر.
السيسي بدوره قدّم كل أوراقه دفعة واحدة: دعم مسار التطبيع، التفريط في الأصول السيادية، والتنسيق الأمني الكامل، لكنه لم يحصل على أي وزن سياسي مقابل. في أعين العواصم الخليجية، مصر تحوّلت إلى عبء مالي، وليس شريكاً استراتيجياً.
القاهرة خارج اللعبة.. وعواصم جديدة ترسم الشرق الأوسط
المفارقة أن الشرق الأوسط يُعاد تشكيله اليوم من دون مصر. فبينما تتقدم عواصم مثل الرياض، وأبو ظبي، وأنقرة، وتل أبيب، بخطط واضحة وتحالفات فعّالة واستثمارات استراتيجية، تبدو القاهرة عاجزة، عالقة في دوامة التضخم والانكماش والسلطوية القمعية.
وتلفت المجلة إلى أن فقدان مصر لمكانتها الإقليمية لا يعود فقط للأزمة الاقتصادية، بل أيضاً لتآكل المؤسسات المدنية، وتغوّل الجيش على الاقتصاد والسياسة، ما أعاق أي نهوض حقيقي.
شعب بلا أمل.. ونظام يواجه شبح الانفجار
ترسم إيكونوميست صورة قاتمة لمستقبل مصر. فمع تضخم يتجاوز 35%، وجنيه يتهاوى، وفقر يبتلع أكثر من ثلث السكان، تزداد الهوة بين النظام وشعبه.
فلا أمل سياسي، ولا فرص عمل، ولا مؤسسات يمكنها احتواء الغضب الشعبي. فيما تسيطر المؤسسة العسكرية على كل مفاصل الدولة، وتُخنق الحريات، ويُقصى المعارضون، ويُكمم الإعلام.
وفي ظل هذا الانهيار الداخلي والتهميش الخارجي، تقول المجلة بوضوح: "السيسي خسر كل شيء: المال، الحلفاء، المكانة، وحتى دعم شعبه. ولم يتبق له إلا مقعد المتفرج على خريطة إقليم يُعاد تشكيله دون أن يكون له فيه مكان."