تشهد مصر في عام 2025 تدهوراً ملحوظاً في مستوى المعيشة، حيث يعاني المواطنون، خصوصاً الطبقة الوسطى، من ضغوط اقتصادية متزايدة نتيجة تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي قاسٍ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

يواجه المصريون مع اقتراب عيد الأضحى هذا العام ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الأضاحي، التي تعتبر ركناً دينياً واجتماعياً مهماً في مصر، فقد شهدت الأسعار في 2023 تبايناً بين 3500 و15000 جنيه حسب نوع ووزن الأضحية، وارتفعت بنسبة 10% في 2024 لتصل إلى 4000-16500 جنيه.

في 2025، تستمر الزيادة لكن بنسب متفاوتة، مع جهود حكومية لتوفير أضاحي بأسعار مخفضة عبر منافذ وزارة الزراعة والمبادرات الحكومية التابعة لحكومة الانقلاب مثل "تحيا مصر".

أسعار اللحوم في منافذ وزارة الزراعة تتراوح بين 150 و240 جنيه للكيلو حسب النوع، مع تخفيضات تصل إلى 10-15 جنيه عن السوق الحر.

في الأسواق التجارية الكبرى مثل هايبر وان وأسواق فتح الله، تتوفر خيارات متنوعة بأسعار متفاوتة، مع تأكيد على جودة اللحوم وخضوعها للفحص البيطري.

هذه الزيادات في أسعار الأضاحي تعكس الضغوط الاقتصادية العامة التي يعاني منها المواطنون، حيث ترتفع تكلفة الشعائر الدينية في ظل غياب دعم فعلي ومستدام للفئات الأكثر فقراً، مما يزيد من معاناة الطبقات الشعبية في مصر.

وأمام هذا الارتفاع، بات شراء الأضحية حلمًا بعيد المنال لقطاعات واسعة من المصريين. ويقول أحد تجار المواشي في محافظة الجيزة: "لم نشهد مثل هذا الركود في السوق منذ عشرات السنين. الزبائن يأتون للسؤال فقط، ثم يغادرون عاجزين".

وتشير دراسة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في يونيو 2024 إلى أن 70% من الأسر المصرية تراجعت عن فكرة شراء الأضاحي هذا العام بسبب الغلاء.

 

سوق برقاش.. أكبر سوق للجمال في مصر

سوق برقاش في الجيزة هو أقدم وأكبر سوق متخصص في تجارة الجمال في مصر، ويبلغ حجم مبيعاته السنوية أكثر من 150 ألف جمل، يعتمد السوق بشكل كبير على استيراد الجمال من السودان، التي تعد المصدر الرئيسي.

تتراوح أسعار الجمال في السوق بين 12 ألف و35 ألف جنيه للجمال العادية، وقد تصل إلى 70-80 ألف جنيه للجمال العملاقة والفريدة، كما حدث في مزاد علني لجمل عملاق بسعر 80 ألف جنيه.

السوق يعمل يومي الجمعة والأحد أسبوعياً ويشهد إقبالاً كبيراً، خاصة مع ارتفاع الأسعار بسبب إجراءات غلق الحدود التي أدت إلى تقليل المعروض ورفع الأسعار.

رغم أهمية السوق الاقتصادية، يعاني برقاش من غياب الرقابة الضريبية، حيث لا يتم فرض ضرائب على التجار بسبب عدم وجود فواتير رسمية أو تسجيل دقيق للمبيعات، خطط تطوير السوق موجودة على الورق منذ 6 أشهر فقط، وبدأت مؤخراً إجراءات استلام السوق من قبل شركة خاصة لإدارته وتشغيله بهدف تحسين الإيرادات الحكومية وفرض الرقابة الاقتصادية، لكن التنفيذ الفعلي لا يزال محدوداً.

 

لماذا تشجع الدولة الأضاحي من الجمال؟

تشجع الدولة المصرية تجارة الأضاحي من الجمال لأسباب اقتصادية واستراتيجية، فالجمال تتحمل الظروف البيئية القاسية في مصر ومناطقها الحدودية، وتعتبر مصدراً مهماً للحوم والألبان.

سوق الجمال يوفر فرص عمل وتجارية كبيرة، خاصة في ظل تراجع بعض القطاعات الزراعية الأخرى بسبب التغيرات المناخية والاقتصادية، كما أن استيراد الجمال من السودان يعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويضمن تدفقاً مستمراً للحيوانات في السوق المحلي.

الدولة تدعم سوق الجمال بشكل غير مباشر عبر السماح بتسهيلات الاستيراد وعدم فرض ضرائب صارمة على التجار، مما يحفز النشاط التجاري في هذا القطاع، كما أن تطوير سوق برقاش يهدف إلى تنظيم السوق وتحسين الإيرادات الحكومية، لكنه حتى الآن لم يحقق نتائج عملية ملموسة، مما يثير تساؤلات حول جدية الدولة في تطوير هذا القطاع الحيوي.

 

الأضاحي والجمال في ظل الأزمة الاقتصادية

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمصر، وارتفاع الأسعار والتضخم، تصبح الأضاحي من الجمال خياراً اقتصادياً لبعض الفئات مقارنة بالأضاحي الأخرى التي قد تكون أغلى، لكن هذا لا يمنع أن ارتفاع الأسعار بشكل عام يثقل كاهل المواطنين، ويجعل من الصعب على الكثيرين الالتزام بالشعائر الدينية كما يجب.

من جهة أخرى، استمرار القمع السياسي والركود الاقتصادي يعيقان أي فرص لإصلاح شامل يمكن أن يخفف من معاناة الشعب، فسياسات حكومة الانقلاب التي تركز على دعم قطاع الأضاحي والجمال تبدو كإجراءات ترقيعية لا تعالج جذور الأزمة الاقتصادية أو السياسية، بل تحاول فقط الحفاظ على استقرار نسبي في سوق معين دون تحسين الظروف المعيشية العامة أو الحريات السياسية.

 

خلاصة..

تدمير مؤسسات المجتمع المدني والسياسات الاقتصادية التقشفية وبرامج الإصلاح القاسية أدت إلى زيادة الفقر وارتفاع الأسعار، بما في ذلك أسعار الأضاحي التي تمثل عبئاً على المواطنين، منذ الانقلاب العسكري عام 2013، فسوق برقاش للجمال يعكس واقع الاقتصاد غير الرسمي الذي يفتقر إلى الرقابة والشفافية، رغم أهميته الاقتصادية، والدولة تشجع تجارة الجمال كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية، لكنها تفشل في تطوير السوق بشكل فعلي.

في المجمل، تعكس هذه المعطيات فشل النظام في تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي حقيقي، مع استمرار القمع السياسي الذي يحول دون وجود حلول ديمقراطية ومستدامة للأزمات التي تواجهها مصر.