أوصت هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري، بتمكين زوجة معتقل سياسي من الإنجاب من زوجها المسجون عبر الحقن المجهري، وعلى نفقتها الخاصة، في مركز طبي معتمد.
التوصية أثارت موجة من الجدل، ليس فقط بسبب طبيعتها القانونية، بل لما تفتح عليه من أسئلة إنسانية، ومجتمعية، وسياسية حول مستقبل الأسر خلف القضبان، وحدود تدخل الدولة في أدق خصوصيات المعتقلين.
 

توصية تاريخية من قلب القضبان
   صدرت التوصية القضائية ضمن الدعوى رقم 41283 لسنة 79 ق، التي أقامتها زوجة معتقل محكوم عليه بالسجن المشدد 15 عامًا، ومودع بمركز إصلاح وتأهيل بمحافظة المنيا، للمطالبة بحقها في تكوين أسرة.
ووصفت التوصية بأنها "تاريخية"، باعتبارها أول وثيقة رسمية تفتح الباب أمام السجناء السياسيين لممارسة حقّهم في الإنجاب.

هيئة مفوضي الدولة أكدت في تقريرها أن "الحق في تكوين أسرة" هو حق دستوري أصيل لا يسقط بسلب الحرية، وأن الأسرة هي نواة المجتمع كما ينص عليه الدستور.
واستشهد التقرير باتفاقيات دولية عديدة، على رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقواعد نيلسون مانديلا، فضلًا عن حكم صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية “ديكسون ضد المملكة المتحدة” التي أقرت بحق المساجين في التلقيح الصناعي.
 

هل يسمح النظام بوجود نسل لمعارضيه؟
   ورغم الزخم الحقوقي الذي حملته التوصية، إلا أن تساؤلات صادمة طُرحت حول مدى قبول النظام الحاكم بفكرة أن يكون للمعتقلين السياسيين "امتداد بيولوجي".

يقول المحامي ومدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي: "قبل الحديث عن الإنجاب، علينا أن نذكّر بأن المعتقلين محرومون من أبسط الحقوق كالزيارة، التي لا تتجاوز عشر دقائق وتتم تحت رقابة أمنية صارمة"، متسائلًا: "هل يسمح النظام، الذي يصفي معارضيه، بوجود نسل لهم؟ لا أعتقد".

واعتبر بيومي أن السماح بمثل هذا الإجراء يمثل تهديدًا صامتًا لمنظومة القمع، "لأنه يعيد للضحايا بعض ما انتُزع منهم، في وقت يُحرم فيه المعتقلون من أبسط حقوقهم الدستورية".
 

من الألم الشخصي إلى الجرح المجتمعي
   وفي تحليلها النفسي للمسألة، قالت طبيبة الصحة النفسية، د.نهى قاسم، إن القرار "يعكس عمق الجرح الذي أصاب المجتمع المصري بسبب الاعتقال السياسي المستمر منذ أكثر من 13 عامًا"، مؤكدة أن "فتح المساحات للأسَر كي تختار طريقها هو المطلوب، وليس فرض حل واحد على الجميع".

في شهادتها الشخصية، التي نشرتها على فيسبوك، عادت د.نهى بذاكرتها إلى زيارات سجن برج العرب، حين كانت نساء المعتقلين يتداولن فكرة "تهريب النطف" على سبيل الدعابة، كما يفعل الأسرى الفلسطينيون، دون أن يتخيلن مرور أكثر من عشر سنوات وهن خلف أسوار الغياب. وأضافت في تدوينة مؤثرة: "أشد على أيدي تلك النساء اللاتي تحملن ما لا تتحمله الجبال".

ووصفت الفرق بين المعتقل المصري والأسير الفلسطيني بأنه "فرق في الدعم المجتمعي"، فبينما يُحتفى بالفلسطيني كبطل، "يغيب المعتقل المصري عن الوعي العام".
https://www.facebook.com/noha.kassem.927/posts/1878641532975216?ref=embed_post
 

مجتمع غير مهيأ.. وآباء غائبون
   ردود الفعل في أوساط أهالي المعتقلين جاءت متباينة. فبين من يرى القرار بادرة أمل رغم قسوة الغياب، ومن يراها خطوة تضيف عبئًا نفسيًا واجتماعيًا جديدًا على أسر أنهكها الانتظار، تبرز مخاوف حقيقية من إنجاب أطفال في بيئة تفتقد للأمان، والعدالة، والحاضنة الاجتماعية.

بعض الأهالي عبّروا عن قلقهم من تأثير القرار على النساء اللواتي سيضطررن لتحمل الحمل والولادة والتربية منفردات، في ظل انعدام ضمانات خروج الأزواج، بينما اعتبر آخرون أن لكل أسرة حقها في اتخاذ القرار المناسب لظروفها، ويجب احترام التنوع في الخيارات دون وصاية.

أحد الأهالي قال: "تمر أفضل سنوات عمرنا في الانتظار.. هل نضيف الآن طفلًا إلى دائرة الحرمان؟".
 

منظمات حقوقية: خطوة أولى لا تكفي
   المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رحّب بالتوصية واعتبرها "انتصارًا جديدًا لحقوق الإنسان والأسرة المصرية"، لكنه دعا المحكمة إلى اعتمادها في حكم نهائي، مؤكدا ضرورة توفير آليات تنفيذ تضمن الكرامة، والسلامة، والخصوصية للأسر التي قد تختار هذا الطريق.

https://www.facebook.com/ecesr/posts/1135060685329679?ref=embed_post