في حرب إبادة تحولت إلى صراع سياسي للبقاء، يواصل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وائتلافه، بدعم من القوى العالمية، التضحية بحياة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية.
ويجسد وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، هذه المأساة.

انضم بن غفير إلى حكومة نتنياهو بعد انتخابات ديسمبر 2022، وظل في الائتلاف بعد 7 أكتوبر 2023 وبداية الحرب على غزة، بشرط أن أي وقف لإطلاق النار سيدفعه إلى الانسحاب من الحكومة.
لم يكن لديه أو لدى نتنياهو أي خطة لما بعد الحرب، سوى تنفيذ مذابح مروعة بحق المدنيين الفلسطينيين.
وعندما تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، انسحب بن غفير من الحكومة، لكنه عاد مجددًا في 18 مارس عندما استؤنف العدوان، معلنًا: "نحن عائدون بكل قوتنا!"

ورغم الدمار الهائل الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بغزة، فإن الفلسطينيين يرفضون الاستسلام.
ومع ذلك، يدرك المخططون العسكريون الإسرائيليون أن النصر العسكري لم يعد ممكنًا. فقد صرح وزير الدفاع السابق موشيه يعالون في 15 مارس بأن "الانتقام ليس خطة حرب".
 

البعد السياسي للحرب
   
تدرك الولايات المتحدة، التي دعمت استئناف الحرب، أن الصراع بات سياسيًا أكثر من كونه عسكريًا، إذ يهدف إلى إبقاء شخصيات متطرفة مثل بن غفير وبتسلئيل سموتريتش داخل حكومة نتنياهو.
وكما قال المفكر العسكري كلاوزفيتز، "الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، لكن في إسرائيل، الهدف ليس الدفاع عن الدولة، بل ضمان بقاء نتنياهو في السلطة.

السياسة الإسرائيلية تتشابك مع المصالح الدولية، حيث تدعم إدارة ترامب إسرائيل ردًا على التمويل الذي حصلت عليه حملاته الانتخابية من أنصار نتنياهو في أمريكا.
بينما تواصل بريطانيا دعم تل أبيب رغم التغيرات السياسية الداخلية، وألمانيا تفعل ذلك بدافع الشعور بالذنب تجاه تاريخها.

هذا يعكس عالم جورج أورويل في رواية 1984، حيث يُستخدم "الحرب" لتحقيق أغراض سياسية وهمية، ويتم الترويج لشعارات متناقضة مثل "الحرب هي السلام". في هذا السياق، إسرائيل تبرر عدوانها تحت شعار "الأمن"، بينما تسعى الولايات المتحدة للهيمنة، وأوروبا تتحدث عن "الديمقراطية"، لكن دون اكتراث بمعاناة الفلسطينيين.
 

إبادة جماعية وليست حربًا تقليدية
   
رغم أن الإعلام العالمي يذكر أن عدد القتلى الفلسطينيين تجاوز 50 ألف، فإنه نادرًا ما يصف ما يحدث بالإبادة الجماعية، رغم أن منظمات حقوقية دولية أكدت ذلك.
الفلسطينيون يقاومون لأنها الوسيلة الوحيدة أمامهم للبقاء في مواجهة التدمير والإبادة.

لكن الحرب ليست مستدامة بالنسبة لنتنياهو. فحتى مع الدعم الأمريكي، لا تستطيع إسرائيل تحمل تكاليف الحرب إلى ما لا نهاية، وهناك تقارير تفيد بأن نصف جنود الاحتياط يرفضون العودة للخدمة العسكرية.
 

مخاطر توسيع العدوان
   
 لا يهدف نتنياهو فقط إلى استمرار الحرب، بل يسعى إلى توسيعها، ما قد يؤدي إلى تغييرات غير محسوبة في المشهد الإقليمي والدولي.
في مواجهة ذلك، اجتمع القادة العرب في القاهرة في 4 مارس لاقتراح بدائل، لكنهم لم يتخذوا إجراءات حقيقية لمحاسبة إسرائيل.

ما لم تصعد الدول العربية من ردها، فقد تواجه المنطقة المزيد من الحروب فقط لإطالة عمر حكومة نتنياهو المتطرفة.
أما في الغرب، فتستمر التناقضات الأخلاقية، حيث تدعم القوى الكبرى حقوق الإنسان نظريًا، بينما تساند فعليًا الإبادة الجماعية. حتى تُحل هذه التناقضات، ستظل معاناة الشرق الأوسط مستمرة لسنوات قادمة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250326-war-doublethink-and-the-struggle-for-survival-the-geopolitics-of-the-gaza-genocide