شهدت مصر تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة المحاكمات ذات الطابع السياسي خلال العام الماضي وبداية العام الجاري، حيث رصدت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" إحالة 130 قضية سياسية إلى المحاكم، منها 95 قضية خلال عام 2024 و35 قضية منذ مطلع عام 2025.
ووسط مطالبات متكررة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإغلاق ملف الحبس الاحتياطي، تبدو السلطات ماضية في تعزيز نهجها القائم على إحالة القضايا للمحاكم، ما يثير قلقًا متزايدًا لدى المنظمات الحقوقية.
 

إحصائيات وإجراءات مطولة.. انتهاك لحقوق المحتجزين
   تُظهر البيانات التي جمعتها المفوضية المصرية تفاوتًا كبيرًا في المدة الزمنية بين بدء التحقيقات وإحالة القضايا إلى المحاكمة، حيث استغرقت بعض القضايا يومًا واحدًا فقط لإحالتها، في حين امتدت فترات التحقيق في أخرى إلى أكثر من خمس سنوات.

وأوضحت المفوضية أن 43 قضية أُحيلت خلال مدة تراوحت بين يومين وعامين، بينما امتدت فترة التحقيق إلى خمس سنوات في 78 قضية، فيما وصلت إلى أكثر من خمس سنوات في تسع قضايا.
هذا التفاوت، وفقًا للمفوضية، يشير إلى استغلال الحبس الاحتياطي كأداة لمعاقبة المعارضين السياسيين، رغم أن الحد الأقصى القانوني له لا يتجاوز عامين.

ووفقًا للتقرير، فإن غالبية هذه القضايا تم إحالتها إلى محاكم الجنايات، حيث تم تحويل 129 قضية، فيما لم يُحال إلى محاكم الجنح الاقتصادية سوى قضية واحدة فقط.
يعكس ذلك -بحسب التقرير- تصنيف معظم القضايا ضمن القضايا الجنائية ذات الطبيعة الخطرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الاتهامات ومدى تطابقها مع هذا التصنيف.
 

تزايد القضايا السياسية في السنوات الأخيرة
   بتحليل الاتجاهات الزمنية لهذه الإحالات، يظهر أن معدلات القضايا قد شهدت زيادة كبيرة في الفترة ما بين 2020 و2022، حيث سجلت مصر 23 قضية سياسية عام 2020، ارتفعت إلى 45 قضية عام 2021، ثم 34 قضية في عام 2022.
وعلى الرغم من التراجع الطفيف في 2023 و2024، إلا أن استمرار الإحالات خلال 2025 يشير إلى اتجاه ثابت نحو استخدام المحاكمات كأداة لتقييد المعارضة وقمع حرية التعبير.
 

استهداف الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان
   بحسب التقرير، فإن قائمة القضايا تشمل عددًا كبيرًا من الحقوقيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون اتهامات تتعلق بالانضمام إلى جماعة إرهابية أو نشر أخبار كاذبة.
وأبرز القضايا تشمل قضية الباحث الحقوقي إبراهيم عز الدين، الذي أُحيل إلى المحاكمة رغم الإفراج عنه، إضافة إلى المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، والمترجمة مروة عرفة، والصحافي كريم إبراهيم، والمصور التلفزيوني كريم سالم، والمصور الصحافي حمدي الزعيم.

وأكدت المفوضية أن استمرار حبس هؤلاء الأفراد دون محاكمات عادلة يتعارض مع المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حماية الأفراد من الاعتقال التعسفي وتكفل حقهم في محاكمة عادلة.
 

محاكم الإرهاب تحت المجهر.. غياب العدالة وسرعة الإحالة
   أحد الجوانب المثيرة للقلق في هذا السياق، هو أن جميع القضايا المحالة إلى المحاكمة ستُنظر أمام دائرتين فقط من دوائر الإرهاب، مع مراجعة الأحكام من قبل دائرة واحدة فقط.
هذا التكدس الكبير يطرح مخاوف حول نزاهة وشفافية المحاكمات، إذ قد يؤدي إلى تسريع إصدار الأحكام دون منح المتهمين حق الدفاع الكافي.
 

شهادات من داخل السجون.. استمرار سياسات القمع
   إبراهيم عز الدين، الباحث الحقوقي الذي تم تحويل قضيته إلى المحاكمة، علّق على هذه التطورات قائلاً: "إحالتي إلى المحاكمة تُثبت أن النظام لم يكتفِ بما تعرضت له من انتهاكات، بل يواصل قمعه عبر القضاء لتصفية الأصوات المعارضة".
وأضاف: "هذه ليست مجرد إجراءات قانونية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى ترهيب النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان".
 

دعوات متزايدة للإفراج عن المعتقلين
   طالبت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وإسقاط التهم الموجهة إليهم، خاصة أن بعضهم تمت إحالتهم إلى المحاكمة بعد تدويرهم في قضايا جديدة أثناء وجودهم في السجن.
كما شددت على ضرورة ضمان محاكمات عادلة لكل المتهمين وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وأكدت المفوضية أن التصعيد الأخير في إحالة القضايا السياسية إلى المحاكم، لا سيما إلى دوائر الإرهاب، يعكس استمرار السلطات في نهجها القمعي، بدلاً من اتخاذ خطوات نحو الإصلاح السياسي والإفراج عن المعتقلين السياسيين.