تمثل الطبقة المتوسطة في مصر العمود الفقري للمجتمع وأحد أركانه المستقرة اقتصاديًا واجتماعيًا، إلا أن التغيرات الاقتصادية العاصفة التي تشهدها البلاد أدت إلى تآكل هذا العمود، حيث يجد كثير من أبنائها أنفسهم مجبرين على التخلي عن مظاهر كانت تعد جزءًا من حياتهم اليومية.
القرارات الحكومية الأخيرة، التي جاءت ضمن برنامج إصلاح اقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، تضمنت تخفيض دعم الوقود ورفع أسعاره ثلاث مرات خلال العام الجاري فقط، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 26.5% في أكتوبر.
ورغم حصول مصر على قروض بقيمة 8 مليارات دولار من الصندوق، إلا أن آثارها انعكست سلبًا على حياة المواطنين، حيث ارتفعت تكاليف المعيشة بصورة غير مسبوقة.
ويشير وائل جمال، مدير وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن القرض الأخير للصندوق له "أثر أعنف" مقارنة بالإصلاحات السابقة.
مضيفا "القرارات الاقتصادية أدت إلى تآكل كبير في مستويات معيشة الناس، مع ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات ووسائل النقل"...
ووفق تقديرات اقتصادية، فإن تحويلات المغتربين، باتت شريان حياة جديد مع تصاعد الأزمات، وأصبحت التحويلات المالية من المغتربين، والتي تبلغ نحو 30 مليار دولار سنويًا، أحد الحلول التي تلجأ إليها العديد من الأسر المصرية.
إلا أن هذه التحويلات لم تعد تقتصر على المال فقط، بل تشمل أيضًا منتجات مثل الملابس والقهوة التي أصبحت أسعارها تفوق القدرة الشرائية للعديد من العائلات.
وفي استقصاء لوكالة الانباء الفرنسية، قالت مواطنة مصرية، تدعى منار: "شقيقي الذي يعمل في الخارج أصبح مصدرًا ليس فقط للنقود، بل أيضًا للرفاهيات التي لم نعد قادرين على شرائها، من قهوة ومحمصات ومقرمشات وملابس وأدوات مكتبية واحيانا كثيرة الأدوية والشامبوهات!!
وازاء تلك الأوضاع، يعرب كثير من أبناء الطبقة الوسطى عن مخاوفهم من المستقبل.
تقول منار بحسرة: "أفكر كل يوم في ما سيحدث إذا استمرت الزيادات؛ الحياة أصبحت مرهقة على كل المستويات".
أما هبة، أم لطفلين ومدرّسة تعمل بدوام جزئي وزوجها مهندس، تلخص معاناة الملايين من المصريين، قائلة، "حتى قبل عامين، لم تكن هناك مشكلة في توفير أساسيات الحياة؛ اليوم، صرت أفكر أكثر من مرة قبل شراء اللحوم أو الملابس".
بدخل عائلي يبلغ نحو 15 ألف جنيه شهريًا، اضطرت منار إلى تقليص وجبات اللحوم؛ وتضيف: "كل تفكيري الآن في كيفية توفير الحد الأدنى من الرفاهية لأطفالي، مثل التدريبات الرياضية؛ حتى القهوة التي اعتدت شربها أصبحت رفاهية أطلبها من شقيقي المغترب".
الفقراء
وإزاء اوضاع الطبقة المتوسطة التي تنهار، يوما تلو الاخر، تبرز معاناة أشد وطأة، وهي الفقراء وما يعانونه من أزمات حادة، تلجؤهم لأكل لحوم القطط والكلاب وهياكل الدحاج وبواقي الطعام، ورتق الملابس القديمة بجانب التسول والانتحار والقتل والسرقات، التي باتت ملجئا أخيرا لكثير من الفقراء البالغين نحو 60 مليون فقير بمصر، وفق تقديرات البنك الدولي في 2022.