في ساعات الصباح الباكر، تسير زيلدا مونتيس بخفة في هواء نيويورك المنعش، متجهة نحو مقر جوجل في الجادة التاسعة في مانهاتن.
مونتيس التي تُعرّف نفسها بـ "هم"، تستخدم بطاقة هويتها للمرور عبر الحواجز الأمنية، وتنضم إلى تيار من موظفي جوجل الذين يبدون وكأنهم في يوم عمل عادي.
لكن هذا اليوم ليس كأي يوم آخر بالنسبة لمونتيس واثنين من زملائها، فبعد حصولهم على شايهم الممزوج بالقهوة وشطائرهم المعتادة من مقصف الطابق الثالث عشر، ينضمون معًا إلى زاوية خالية، حيث يفتحون لافتاتهم ويبدأون في الهتاف: "أسقطوا مشروع نيمبوس".
لكن هذه الخطوة ستكون الأخيرة لهم كموظفين في جوجل، حيث ستؤدي إلى طردهم قريبًا.
مونتيس واحدة من بين 50 موظفًا فُصلوا بسبب تنظيم اعتصام استمر 10 ساعات احتجاجًا على الشراكة التي تجمع بين جوجل وأمازون وحكومة الاحتلال بقيمة 1.2 مليار دولار؛ تلك الشراكة المعروفة باسم "مشروع نيمبوس" تهدف إلى توفير خدمات الحوسبة السحابية لحكومة الاحتلال، بما في ذلك الجيش ووزارة الدفاع.
الاحتجاجات ضد مشروع نيمبوس
على مدار ثلاث سنوات، كانت مونتيس وعدد من زملائها ينظمون حملات داخلية تطالب جوجل بإلغاء المشروع. ومع اندلاع حرب الاحتلال على غزة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر التي قادتها حماس، ازدادت الدعوات إلى إسقاط المشروع، حيث يخشى العاملون في جوجل أن تُستخدم تقنياتهم، خاصة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لتعزيز ما يصفه البعض بأنه "إبادة جماعية" للفلسطينيين.
لكن جوجل كانت مصرة في بياناتها العامة على أن مشروع نيمبوس "ليس موجهًا لأعباء عمل عسكرية أو سرية حساسة". ورغم هذه التصريحات، استمرت الاحتجاجات من قبل الموظفين الذين يخشون أن يكونوا جزءًا من تواطؤ تكنولوجي مع الاحتلال الصهيوني في حربه على غزة.
ردود فعل قمعية من جوجل
ومع تصاعد الاحتجاجات، بدأت جوجل في اتخاذ إجراءات قمعية ضد النشطاء داخل الشركة، فقد تعرض العديد من الموظفين للفصل أو التهديد بالعقوبات، فيما تمت الرقابة على محادثاتهم الداخلية المتعلقة بفلسطين أو مشروع نيمبوسـ وكانت الاجتماعات العامة التي تُعقد في جوجل، والتي يُفترض أن تكون فرصة لطرح الأسئلة على الإدارة، تتجاهل أي تساؤلات حول المشروع.
ووفقًا لما قاله موظفون تحدثوا إلى موقع "ميدل إيست آي"، يبدو أن أي نقاش حول فلسطين يُقابَل بالتجاهل أو الرقابة.
وأشار بعضهم إلى أن استخدام كلمات مثل "إبادة جماعية" أو "فصل عنصري" كان يؤدي إلى حذف التعليقات أو إغلاق المنتديات الداخلية لمنع النقاش.
المزيد من التوترات الداخلية
لم يكن النشاط السياسي داخل جوجل أمرًا جديدًا. فقد شهدت الشركة إضرابات في الماضي بسبب عقود مثيرة للجدل مع الحكومة الأمريكية، مثل "مشروع مافن" في عام 2018، الذي استخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات طائرات الدرون.
حينها رضخت جوجل لمطالب موظفيها وقررت عدم تجديد العقد. لكن الأمر اختلف مع مشروع نيمبوس، حيث أصرّت جوجل على المضي قدمًا في الصفقة، مما زاد من التوترات الداخلية.
في عام 2021، استقالت آرييل كورين، إحدى النشطاء في جوجل، احتجاجًا على مشروع نيمبوس، مشيرة إلى تعرضها لضغوط لإجبارها على الانتقال إلى البرازيل بعد أن أثارت مخاوفها.
وعلى خطى كورين، انضمت مونتيس وزملاؤها إلى حملة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري"، التي تسعى إلى إنهاء تواطؤ شركات التكنولوجيا مع جرائم الاحتلال الصهيوني.
مخاوف غير مسموعة
مونتيس لم تكن الوحيدة التي أعربت عن مخاوفها، فقد استخدم موظفون في مختلف فروع الشركة قنوات الاتصال الداخلية لطرح تساؤلات حول علاقة جوجل بالاحتلال الصهيوني: لكن الإدارة كانت ترد بتجاهل هذه التساؤلات أو فرض رقابة صارمة على النقاشات.
في أحد الاجتماعات العامة، تم تجاهل سؤال طرحته مونتيس حول استخدام يوتيوب لتشغيل إعلانات دعائية لصالح الاحتلال ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
في الوقت نفسه، واجه موظفو جوجل الذين يعملون في قسم الذكاء الاصطناعي مخاوف مماثلة تتعلق بإمكانية استخدام تقنياتهم في تعزيز الهجمات الصهيونية على غزة، لكن تلك المخاوف تم تجاهلها أيضًا.
النشاط المتزايد والمخاوف المتصاعدة
مع استمرار الحرب على غزة، بدأ موظفو جوجل في جميع أنحاء العالم بتنظيم احتجاجات فعلية وافتراضية، مطالبين الشركة باتخاذ موقف أخلاقي وإنهاء الشراكة مع حكومة الاحتلال.
ومع تصاعد التوترات، بدأت جوجل في فصل المزيد من الموظفين وفرض مزيد من الرقابة على النشاطات الداخلية التي تتعلق بفلسطين.
كانت مونتيس وزملاؤها يعلمون أن طردهم من العمل كان احتمالًا واردًا، لكنهم كانوا مصرين على عدم التواطؤ في ما يعتبرونه جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.