دعت وزارة الخارجية الألمانية الشهر الماضي 17 صحفياً عربياً للمشاركة في حوار مع الحكومة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. وكان الهدف توضيح موقف ألمانيا من حرب إسرائيل في غزة.
على مدار سبعة أيام، كرر الساسة الألمان باستمرار العبارة التالية: "نحن ثابتون على دعم حق إسرائيل في الوجود". وهذا دفع أحد الصحافيين الفلسطينيين إلى طرح السؤال التالي عليهم: "ماذا عن حقنا كفلسطينيين في الوجود، بينما نباد على يد حكومة فاشية تستخدم أسلحة ألمانية؟"
منذ بداية الاجتماعات في برلين، كانت التوترات ملموسة، وخاصة بين الصحفيين الفلسطينيين الذين يعيشون في قلب الصراع المتصاعد.
لقد أعربوا بشكل خاص عن إحباطهم إزاء موقف ألمانيا، الذي يستلزم تسليح إسرائيل مع قطع الدعم عن المنظمات الإنسانية الفلسطينية.
وعلاوة على ذلك، يقول موظفو الجمعيات الألمانية العاملة في الأردن إنهم واجهوا ضغوطًا لتجنب الدعوة عبر الإنترنت لصالح فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023، كما ذكر موقع ميدل إيست آي سابقًا.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكنتيجة مباشرة لجرائم النازية ضد اليهود أثناء الهولوكوست، تبنت ألمانيا سياسة قوية لدعم إسرائيل. أصبح هذا الدعم حجر الزاوية في السياسة الخارجية لبرلين، وتحول إلى التزام دائم.
إن دعم ألمانيا لإسرائيل يتجاوز مجرد تأييد حقها في الدفاع عن النفس، ويمتد إلى توفير المعدات العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الغواصات وأنظمة الأسلحة.
شريك في الإبادة الجماعية
كجزء من زيارة الصحفيين الأخيرة إلى برلين، اصطحبوا في جولة في فيلا وانسي، حيث قرر كبار أعضاء الحزب النازي في عام 1942 بشأن الهولوكوست. ولكن الساسة الألمان غالباً ما يربطون شعورهم بالذنب إزاء هذه الجرائم ضد اليهود بدعمهم غير المشروط لإسرائيل، حتى في شكلها الفاشي - وكأن دعم إسرائيل يعادل دعم اليهود.
هذا الدعم غير المشروط يضع ألمانيا في موقف صعب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالحروب الإسرائيلية المتكررة على غزة.
هذه الحروب تؤدي باستمرار إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، مما يجعل دعم ألمانيا يبدو وكأنه تواطؤ مع السياسات الإسرائيلية التي تسبب معاناة هائلة، وخاصة في ظل الحصار المستمر لغزة.
إصرار ألمانيا على الارتباط غير العادل بين الصهيونية واليهودية يضر بالشعب اليهودي نفسه. فمن خلال توفير الأسلحة والدعم السياسي لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفاشية، تعمل ألمانيا على إضعاف أصوات المعارضة المدنية الإسرائيلية، وتفضل بدلاً من ذلك العناصر المتطرفة في الحكومة التي تغذي آلة الإبادة الجماعية.
وهذا يجعل ألمانيا شريكة فعلياً في قتل الآلاف من النساء والأطفال.
أرغم العبء التاريخي الثقيل ألمانيا على دعم إسرائيل دون قيد أو شرط في جميع المحافل الدولية. وفي حين قد يكون هذا الدعم مفهوماً في سياق العلاقات التاريخية، فإن استخدامه كذريعة للتغاضي عن انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان في غزة أمر غير مبرر أخلاقياً وسياسياً.
ألمانيا اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة تقييم موقفها من الصراع في غزة. ويتعين عليها أن تحرر نفسها من قيود التاريخ وتتبنى سياسة أكثر عدالة وإنسانية تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني. وبوسع ألمانيا أن تلعب دوراً أكثر إيجابية في تعزيز عملية السلام إذا تبنت سياسات تدعم حقوق الإنسان حقاً، بما في ذلك حق الفلسطينيين في الحياة.
التحدي الأكبر الذي يواجه ألمانيا هو كيفية إيجاد التوازن بين التزامها تجاه إسرائيل والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. وبوسعها أن تلعب دوراً بناء من خلال الدفع نحو حل سلمي وعادل للصراع، وهو الحل الذي يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة.
ولكن الأولوية العاجلة اليوم هي وقف آلة القتل الصهيونية في لبنان وغزة.