د/ رجب ابو مليح
مستشار شرعى
تعريف المعاملات المالية
1 – المعاملات في اللغة:
جمع معاملة؛ وهي مأخوذة من العمل وهو لفظ عام في كل فعل يقصده المكلف.
وأما في الاصطلاح:
فهي الأحكام الشرعية المتعلقة بأمور الدنيا سواء تعلقت بالأموال أو النساء حيث قال ابن عابدين – رحمه الله – والمعاملات خمسة: المعاوضات المالية، والمناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتركات.([1])
وخصها بعض الفقهاء بالأحكام المتعلقة بالمال حيث قسموا الفقه الإسلامي إلى: عبادات، ومعاملات، ومناكحات «أحوال شخصية»،وعقوبات.
وسنلتزم هذا التعريف الأخير، ونتناول أحكام المعاملات المالية في هذا الكتاب بمشيئة الله تعالى.
2 – تعريف المال:
يطلق المال في اللغةعلى: كل ما تَملَّكه الإنسان من الأشياء.
وفي الاصطلاح: اختلف الفقهاء في تعريف المال على النحو التالي: عرّف فقهاء الحنفية المال بتعريفات عديدة، فقال ابن عابدين: المراد بالمال ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم.
وعرف المالكية المال بتعريفات مختلفة، فقال الشاطبي: هو ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه.
وقال ابن العربي: هو ما تمتد إليه الأطماع، ويصلح عادةً وشرعاً للانتفاع به.
وقال عبد الوهاب البغدادي: هو ما يُتَمول في العادة ويجوز أخذ العِوض عنه.
وعرفه الزركشي من الشافعية بأنه: ما كان منتفعاً به، أي مستعداً لأن يُنتفع به.
وحكى السيوطي عن الشافعي أنه قال: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يُباع بها، وتلزم مُتلِفه، وإن قلت، وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك.
وقال الحنابلة: المال شرعاً ما يباح نفعه مطلقاً، أي في كل الأحوال، أو يُباح اقتناؤه بلا حاجة([2]).
المال: تعريفه وأهميته وأقسامه
تعريف المال:
المال: معروف، ويذكر ويؤنث، وهو المال وهي المال، ويقال مَالَ الرجلُ يُمَالُ مَالاً إذَا كَثُرَ مَالُهُ فَهُوَ مَالٌ وَامْرَأَةٌ مَالَةٌ وَتَمَوَّلَ اتَّخَذَ مَالًا.
وقال الأزهري: تمول مالا اتخذه قنية فقول الفقهاء ما يتمول أي ما يعد مالا في العرف والمال عند أهل البادية النعم.([3])
وسبق أن ذكرنا اختلاف الفقهاء حول تعريف المال على النحو التالي:
عرف فقهاء الحنفية المال بتعريفات عديدة، فقال ابن عابدين: المراد بالمال ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم.
وعرف المالكية المال بتعريفات مختلفة، فقال الشاطبي: هو ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه.
وقال ابن العربي: هو ما تمتد إليه الأطماع، ويصلح عادة وشرعا للانتفاع به.
وقال عبد الوهاب البغدادي: هو ما يتمول في العادة ويجوز أخذ العوض عنه.
وعرف الزركشي من الشافعية المال بأنه: ما كان منتفعا به، أي مستعداً لأن ينتفع به.
وحكى السيوطي عن الشافعي أنه قال: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتلزم متلفه، وإن قلت، وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك.
وقال الحنابلة: المال شرعاً ما يباح نفعه مطلقاً، أي في كل الأحوال، أو يباح اقتناؤه بلا حاجة([4]).
والمال عصب الحياة، وعدة الحرب، وعماد السلم؛ فبه تُنال الحقوق، وتُؤدَّى الواجبات، وبه يستطيع الإنسان أن يَبنيَ ويُعمِّرَ، وأن يزرع ويُثمِّرَ، وأن يَصنع ويُنتِجَ، به يصان العرض أن يُسلب، والأرض أن تُنهب، والكرامة أن تداس أو تدنس.
ولا عجب أن يهتم به الإسلام، ويعتبره إحدى الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة للمحافظة عليها: «الدين والنفس والعقل والعرض والمال»، ويرى أنه قِوام الناس، وبغيره لا تَتَحَقَّق عِمارة الدنيا، ولا نُصْرَة الدين، وهو نِعْمَة يجب أن تُشْكَر، وأمانة يجب أن تُرْعَى، كما أنه اختبار وفتنة، ليَبْلُوَ اللهُ الناسَ فيما آتاهم، ولهذا يَلْزَمُ كسْبُه وتَنْمِيته بالطرق المشروعة، وأداء الحقوق الواجبة فيه، والمحافظة عليه من السَّرَف والتَّرَف والإهمال.
إن الإسلام قد حَثَّ على تحصيل المال من وُجُوهِهِ المشروعة، وحُسْن تنميته بالطرق السليمة، وتوزيعه على أهله بالمعروف، وإنفاقه في الحق، وإمساكه عن الباطل، ووصف القرآن المال بأن الله جعله للناس «قِيَامًا»، وأَمَرَ بالحَجْرِ على السفهاء الذين لا يُحْسِنُون التصرف فيه، وجعل الإسلام «الغني الشاكر» أفضل من «الفقير الصابر»، ووضع لذلك أفضل نظام اقتصادي عَرَفَه البشر، جَمَعَ خَيْرَ ما في المذهبين المتنازعين: الرأسمالية والشيوعية، وتَنَزَّهَ عن مساوئهما؛ فأَقَرَّ المِلْكِيَّة الخاصة المقيدة بالحق، والحرية المقيدة بالعدل، والغنى المقيد بحدود الشرع في التملك والتنمية والإنفاق والاستهلاك.
وقد ذكر المال في القرآن الكريم والسنة المطهرة أكثر من مرة، والمال لا يذم ولا يمدح لذاته، بل يمدح مادام قد اكتسبه المسلم من حلال ووضعه في حلال، ويذم إذا اكتسبه المسلم من حرام أو وضعه في حرام، والمال – عند العقلاء من المسلمين – ليس غاية بل هو وسيلة يستعين به المسلم على عمارة الدنيا بما أمر الله تعالى، والإنسان لا يملك المال في هذه الدنيا ملكا مطلقا ينفقه حيث شاء، ويتلفه في الحق أو الباطل لكنه مستأمن على هذا المال، ولأن المال مال الله فلا يجوز للمسلم أن يتصرف في هذا المال وفق هواه وحسب شهواته بل عليه أن ينفقه حيث أمر صاحب المال.
وسنورد بعض الأمثلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة لنرى كيف اهتمت الشريعة الإسلامية بالمال ووضعت له من الضوابط والأحكام ما يجعله نافعا للناس في الدنيا مُعينا لهم على أمر الآخرة.
أولا: المال في القرآن الكريم
بداية يعترف القرآن الكريم بحب الإنسان للمال، وأنه من الزينة التي فُطر الناس على حبها.
]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالله عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[[أل عمران 14].
]وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً[[الفجر 20].
لكن هذه الزينة ليست مفخرة للعبد، بل هي عرض زائل، وليست مقياساً لرضا الله عن العبد، فقد يعطيه ليختبره أو يملي له وقد يكون هذا المال سبباً في شقائه في الدنيا وتعاسته في الآخرة.
]المالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً[[الكهف 46].
]اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[[الحديد 20].
]إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ[[محمد 36].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[[المنافقون 9].
]أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ. نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ[[المؤمنون 55 – 56].
]وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ[[سبأ 37].
ويبين للمسلم أن هذا المال فتنة واختبار فلا يجعل حب المال أكبر من حب الله ولا حب رسوله – ^ – فقال تعالى:]وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ[[الأنفال 28].
وقوله تعالى:]إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَالله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ[[التغابن 15].
وقوله تعالى:]قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[(التوبة 24).
وأن هذا المال له أهمية عظيمة ومكانة كبيرة حيث جعله الله ثمنا لنيل رضا الله ودخول جنته، إن حصّله المسلم من طرقه المشروعة وأنفق منه في سبيل الله.
]يا أيها الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[[الصف 10 – 11].
]انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[[التوبة 41].
وقوله تعالى:]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ[(التوبة 103).
وقوله تعالى: ]إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بأَنَّ لَهمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[[التوبة 111].
ولذلك أمرهم الله بتنمية المال واستثماره، ونهانا أن نضعه في أيدي السفهاء:
]وَلاتُؤْتُواالسُّفَهَاءأَمْوَالَكُمُالَّتِيجَعَلَالله لَكُمْ قِيَامًاوَارْزُقُوهُمْفِيهَاوَاكْسُوهُمْوَقُولُوالَهُمْقَوْلامَّعْرُوفًا[ [النساء: 5].
كما أمرهم بألا يجمعوا هذا المال من طريق غير مشروع، كأكل أموال الناس بالباطل عن طريق الغش أو التدليس أو الربا.
]وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[[البقرة 188].
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً[[النساء 29].
]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ الله الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ[[البقرة 275-279].
ثم يبين لهم الله تعالى أنه كما وهبهم هذا المال ورزقهم من غير حول منهم ولا قوة قادر على أن يسلبهم هذا المال، إما ابتلاء وتمحيصاً، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وإما سلباً بعد عطاء لم يراعوا لله فيه حرمة.
]وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ[[البقرة 155].
وقوله تعالى:]لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[[أل عمران: 186].
وأخيرا يبين لهم أن ما عند الله لا يطلب بمعصيته بل يطلب بطاعته، ولكي يحصلوا على هذا المال عليهم أن يستوفوا شروط الحصول عليه وهي الإيمان والتقوى.
]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ[[ المائدة 65: 66].
وقوله تعالى: ]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ[[الأعراف:96].
ثانيا: المال في السنة المطهرة :
قد حفلت السنة المطهر بالحديث عن المال، وحثت على طلبه من مصادره المشروعة، وإنفاقه فيما أباح الله سبحانه وتعالى، وطلبت من المسلم أن يعمل ويكدح لتكون يده هي العليا دائما، معطاء ليس متسولاً، ثم نهته عن الإسراف وإضاعة المال فيما لا يعود بالنفع عليه وعلى المجتمع، وجعلت الدفاع عن هذا المال وحمايته من أيدي المعتدين واجبًا ينال المسلم الشهادة إن مات بسببه، وبينت السنة أن كثرة المال ليست عيباً يلحق المسلم في عرضه أو دينه ما دام قد اكتسبه من حل ووضعه في حل.
روى البخاري ومسلم بسندهما عن حكيم بن حزام tقال سألت رسول الله ^ فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع،اليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً «أي أطلب ماله»حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر tيدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه ثم إن عمر tدعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر إني أُشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه؛ فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله ^ حتى توفي([5]).
ورويا بسندهما عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال سمعت عمر يقول: كان رسول الله ^ يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني فقال خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك([6]).
ورويا بسندهما عن المغيرة بن شعبة قال سمعت النبي – ^- يقول: «إن الله كره لكم ثلاثا قِيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال».([7])
وروى النسائي في سننه أن رجلا جاء إلى رسول الله ^ فقال: يا رسول الله، الرجل يأتيني ليأخذ مالي! قال: «ذكِّره بالله» قال: فإن لم يَذَّكَّرْ؟! قال: «فاستَعِنْ عليه من حولك من المسلمين»، قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: «فاستَعِنْ عليه بالسلطان»، قال: فإن نأى السلطانُ عني؟ قال: «قاتِل دون مالك حتى تكونَ من شهداء الآخرة أو تَمنعَ مالَك»([8]).
وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله ^ قال: «من قُتل دون ماله فهو شهيد»([9]).
وقال النبي ^ : «نعم المال الصالح للعبد الصالح»([10]).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة tقال: قال النبي ^ :«لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي».([11])
وكان من دعاء النبي ^ : «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر»([12]).
هل المنافع تعد مالاً؟
المنافع: جمع منفعة، ومن أمثلتها عند الفقهاء: سكنى الدار ولبس الثوب وركوب الدابة، كما يدخل في المنافع في العصر الحديث حق التأليف وبراءة الاختراع والعلامة التجارية والاسم التجاري وغير ذلك…
وقد اختلف الفقهاء في مالية المنافع على قولين:
يرى الحنفية أن المنافع ليست أموالا مُتقومة في حد ذاتها، لأن صفة المالية للشيء إنما تثبت بالتمول، والتمول يعني صيانة الشيء وادخاره لوقت الحاجة، والمنافع لا تبقى زمانين، لكونها أعراضا، فكلما تخرج من حيز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى، فلا يتصور فيها التمول.
غير أن الحنفية يعتبرون المنافع أموالا متقومة إذا ورد عليها عقد معاوضة، كما في الإجارة، وذلك على خلاف القياس، وما كان على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه([13]).
والثاني لجمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة: وهو أن المنافع أموال بذاتها، لأن الأعيان لا تقصد لذاتها، بل لمنافعها، وعلى ذلك أعراف الناس ومعاملاتهم. ولأن الشرع قد حكم بكون المنفعة مالا عندما جعلها مقابلة بالمال في عقد الإجارة، وهو من عقود المعاوضات المالية، وكذا عندما أجاز جعلها مهرا في عقد النكاح، ولأن في عدم اعتبارها أموالا تضييعا لحقوق الناس وإغراء للظلمة في الاعتداء على منافع الأعيان التي يملكها غيرهم، وفي ذلك من الفساد والجور ما يناقض مقاصد الشريعة وعدالتها. وقال الشربيني الخطيب: المنافع ليست أموالا على الحقيقة بل على ضرب من التوسع والمجاز بدليل أنها معدومة لا قدرة عليها.([14])
ورأي الجمهور أولى بالقبول وبخاصة في هذا الوقت الذي أصبحت فيه المنافع أهم من الأموال في كثير من الأحيان، وقد ذهب إلى هذا الرأي كثير من العلماء المعاصرين منهم الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقا، والدكتور فتحي الدريني، والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم، وقد حسم مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة عند بحثه للحقوق المعنوية وهذا نص قراره.
«إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ -/10 إلى 15 كانون الأول «ديسمبر» 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع «الحقوق المعنوية» واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقًا ماليًا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها»([15]).
واستقرت الفتوى على أن حق التأليف أيا كانت صورته التي خرج عليها سواء كان كتبا أو برامج الكترونية «cdes» أو غيرها فحقوقها محفوظة لأصحابها، ولا يجوز التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرف إلا بعد الرجوع لأصحاب هذه الحقوق وأخذ الأذن منهم كتابة أو مشافهة، وأيا كان الغرض من استعمالها شخصيا أو تجاريا أو دعويا فلا يجوز الاعتداء على هذه الحقوق بحال من الأحوال.