في هجوم حاد على السياسات الاقتصادية لحكومة الانقلاب، فضح الإعلامي إبراهيم عيسى ما وصفه بـ"الحيل الرقمية" التي تستخدمها حكومة مصطفى مدبولي لتجميل واقع كارثي لا يخفى على أي مواطن مصري يعاني يوميًا من جحيم الغلاء وانهيار القوة الشرائية.

 

عيسى، في حلقة منشورة عبر حسابه على يوتيوب، اعتبر أن محاولات الحكومة تخفيض نسبة الدين العام عبر الحسابات الدفترية لن تغير شيئًا من واقع المواطن الذي يعاني من أزمات معيشية طاحنة، مؤكدًا أن "الأرقام قد تكذب لكن المواطن لا يكذب".

 

الهجوم جاء ردًا على تصريحات مدبولي التي زعم فيها أن الدين العام انخفض من 96% إلى 84% من الناتج المحلي خلال عامين، في ادعاء وصفه خبراء اقتصاديون بأنه "خطاب سياسي وليس اقتصادي" يهدف لتلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي بينما المواطن يغرق في الفقر.

 

65 % من الموازنة تذهب لجيوب الدائنين.. والمواطن يدفع الفاتورة

 

الأرقام الحقيقية التي استعرضها إبراهيم عيسى تكشف حجم الكارثة التي تحاول الحكومة التستر عليها بالشعارات الرنانة. خدمة الدين (الفوائد والأقساط) تلتهم نحو 65% من إجمالي مصروفات الموازنة، بقيمة تصل إلى 4.38 تريليون جنيه من إجمالي استخدامات مقدرة بـ6.76 تريليون جنيه في موازنة 2025-2026. هذا يعني أن ثلثي كل ما تصرفه الدولة يذهب مباشرة لسداد الديون وفوائدها، بينما يتبقى الفتات للصحة والتعليم والخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن.

 

الأسوأ من ذلك أن نسبة الفوائد وحدها وصلت إلى 73.6% من إجمالي إيرادات الحكومة، بقيمة 2.298 تريليون جنيه من إيرادات قدرها 3.119 تريليون جنيه. عضو مجلس النواب محمد فؤاد كشف أن مدفوعات فوائد الدين العام بلغت 108% من الإيرادات العامة، مما يضغط على الإنفاق الحكومي بشكل كبير. هذه الأرقام الصادمة تعني أن الدولة تقترض فقط لتسدد فوائد القروض السابقة، في حلقة مفرغة من الاستدانة لا نهاية لها، والمواطن هو من يدفع الثمن عبر الضرائب المتزايدة ورفع أسعار الخدمات.

 

عيسى طرح السؤال الأهم: "أين ذهبت كل تلك القروض؟". الإجابة واضحة: ذهبت إلى مشاريع فرعونية لا تحسن من حياة المواطن، بينما الصحة والتعليم والاستثمار تعيش على "فُتات الميزانية بعد سداد الديون". نسبة فوائد الدين من إجمالي الإنفاق الحكومي ارتفعت من 30% عام 2015 إلى 47.4% في العام المالي الماضي، وصولًا إلى 49.9% في موازنة 2025-2026. هذا تدهور غير مسبوق يكشف فشل السياسات الاقتصادية للنظام.

 

"إعلان إفلاس مقنع".. نقل العبء من الحكومة إلى البنوك

 

وصف عيسى تصريحات مدبولي حول خفض نسبة الدين للناتج المحلي بأنها "حيل دفترية" تهدف لنقل الأزمة من كاهل الحكومة إلى الجهاز المصرفي والبنوك الوطنية. خبراء اقتصاديون يرون في هذه الخطوة "إعلان إفلاس مقنع" وعبئًا قد يهدد سلامة البنوك المصرية. الحكومة لا تخفض الدين فعليًا، بل تنقله من جيب إلى جيب، من الموازنة العامة إلى البنوك الحكومية، في لعبة محاسبية لا تغير من الواقع شيئًا.

 

عضو البرلمان محمد فؤاد أكد أن خطاب رئيس الوزراء حول خفض نسبة الدين للناتج المحلي "سياسي وليس اقتصادي"، مشيرًا إلى أن خفض هذه النسبة "ليس من المؤشرات الهامة بالنسبة للمواطن المصري، ودول كثيرة لديها نسب مرتفعة مثل اليابان وفرنسا". المشكلة ليست في النسبة، بل في حجم الدين المطلق وفي أن الحكومة تنفق معظم مواردها على خدمة الدين بدلًا من الاستثمار في الخدمات والتنمية. لا توجد خيارات حقيقية لخفض الدين سوى زيادة الإيرادات عبر توليد فائض أولي كبير ومبادلة الأصول وإعفاء الديون، وهو ما لا تستطيع الحكومة تحقيقه في ظل السياسات الحالية.

 

آلة جباية لا تتوقف.. والمواطن ضحية الفشل الاقتصادي

 

إبراهيم عيسى كشف في تحليله السابق أن الدولة تحولت إلى "آلة جباية تُجبر المواطن على الدفع دون مقابل"، وأن سياسات الحكومة "لم تكن يومًا موجهة لتحسين حياة المواطن، بل جاءت جميعها لصالح تعظيم الموارد على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة". الحكومة تعتزم رفع حصيلة الضرائب على السلع والخدمات في العام المالي 2025-2026 بنسبة 34.4% لتصل إلى نحو 1.103 تريليون جنيه، بزيادة ضخمة في ضريبة القيمة المضافة تبلغ 50.2%.

 

كل هذا يحدث بينما المواطن يعاني من ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والسلع الأساسية والخدمات. الحكومة اعتمدت في العام الحالي "بدرجة كبيرة على رفع أسعار الوقود والكهرباء لتغطية الفجوة الناتجة عن ارتفاع تكاليف خدمة الدين". هذا يعني أن المواطن يدفع ثمن فشل السياسات الاقتصادية مرتين: مرة عبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ومرة أخرى عبر رفع أسعار الخدمات الأساسية.

 

عيسى أكد أن "رفع الدعم الذي طال الفئات الأكثر احتياجًا، في الوقت الذي حصل فيه كبار رجال الأعمال على امتيازات ضريبية وأراضٍ شبه مجانية، هو دليل قاطع على عدم عدالة السياسات الاقتصادية السائدة". الضرائب في مصر "لم تعد أداة تنظيمية كما ينبغي أن تكون، بل تحولت إلى سلاح يومي يُشهر في وجه كل مواطن، سواء موظف أو حرفي أو مزارع أو سائق". الدولة "لم تعد أداة للتنمية أو العدالة، بل صارت مشروعاً لإعادة تشكيل المجتمع بما يضمن استمرارية السلطة لا رفاهية الشعب".

 

الخلاصة التي يصل إليها عيسى واضحة ومؤلمة: حكومة مدبولي تحاول خداع الرأي العام بأرقام وشعارات لا تعكس الواقع. المواطن المصري يعرف الحقيقة من جيبه الفارغ ومن أسعار الخبز والدواء والمواصلات. الأرقام الحكومية قد تُزيّف، لكن معاناة المواطن حقيقية ولا يمكن إخفاؤها بتصريحات رئيس الوزراء الوردية عن "معجزة اقتصادية" و"أرقام لم تشهدها مصر منذ 50 عامًا".