قال موقع "ريد سي بيكون" الإريتري، إن سياسة مصر لا تهدف إلى حرمان إثيوبيا من التنمية أو فرض هيمنتها على دول المنبع، بل إلى البقاء ضمن إطار القانون الدولي المصمم خصيصًا لإدارة الموارد المشتركة والهشاشة غير المتكافئة. 

 

وأوضح أنه عند دراسة موقف مصر في ضوء مطالب إثيوبيا الخاصة بنهر النيل ومقارنته بأي فكرة عن حق إثيوبيا في منفذ إريتريا الطبيعي على البحر الأحمر، يتضح تماسك موقفها وانضباطه. 

 

القانون الدولي للمياه

 

وأشار إلى أن مصر دولة صحراوية تقع في المصب، ووجودها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنيل. إذ يعيش أكثر من 95 بالمائة من سكانها على ضفاف النهر ويعتمدون عليه في مياه الشرب وإنتاج الغذاء والنشاط الاقتصادي، لافتًا إلى أن هذا المستوى من الاعتماد "لا يعد مجرد جدل سياسي، بل هو عامل ذو أهمية قانونية بموجب القانون الدولي للمياه". 

 

وتُرسّخ اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون استخدامات المجاري المائية الدولية في غير الملاحة، والتي تعكس القانون الدولي العرفي، مبدأ الاستخدام العادل والمعقول. 

 

وتنص المادة الخامسة من الاتفاقية على ضرورة مراعاة عوامل مثل الاعتماد السكاني، والموقع الجغرافي، والاستخدامات القائمة، وتوافر البدائل عند استخدام مجرى مائي مشترك. 

 

وبناءً على هذه المعايير، وصف الموقع حالة مصر من الضعف بأنها تعد استثنائية، إذ لا يوجد لديها بديل فعّال لمياه النيل. كما يُعدّ الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم، المنصوص عليه في المادة السابعة من الاتفاقية نفسها، جوهريًا في موقف مصر. 

 

ضرر جسيم

 

وأكد أن مصر لا تدّعي أن إثيوبيا تفتقر إلى الحق في بناء السدود أو توليد الطاقة الكهرومائية؛ بل ترى أن المشاريع الضخمة في أعالي النهر، التي تُنفّذ دون اتفاقيات ملزمة بشأن التعبئة والتشغيل، "تُشكّل خطرًا غير مقبول لحدوث ضرر جسيم، لا سيما خلال فترات الجفاف الممتدة". 

 

وقال إن هذا القلق ليس افتراضيًا، "فبمجرد حجب المياه أو إطلاقها بشكل غير متوقع، قد تكون الآثار المترتبة على ذلك في المصب على الزراعة والأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي وخيمة ولا رجعة فيها".

 

وتابع: "بالنسبة لمصر، لا يُمثل سد النهضة الإثيوبي مجرد مشروع بنية تحتية منفصل، بل سابقة تُعيد تشكيل التوازن الهيدرولوجي والسياسي لحوض النيل". 

 

يُقر القانون الدولي للمياه بأهمية الآثار التراكمية للمشاريع الكبرى، لأن القواعد والممارسات المُطبقة في أي مشروع تُؤثر حتمًا على التوقعات للمشاريع اللاحقة. 

 

لهذا السبب، أصرّت القاهرة على إطار قانوني مُلزم يُنظم تبادل البيانات، وآلية تنسيق مشتركة بشأن تشغيل السد، وإدارة الجفاف، وتسوية المنازعات، وفق التقرير. 

 

وذكر أن هذه المطالب تتوافق مع واجبات الإخطار المُسبق والتشاور بحسن نية المنصوص عليها في المواد من 11 إلى 19 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المجاري المائية، فضلًا عن أحكام محكمة العدل الدولية. في قضيتي مشروع جابتشيكوفو-ناجيماروس ومصانع الورق على نهر أوروجواي.

 

أكدت المحكمة أن الدول التي تتشارك المجاري المائية تتحمل التزامات مُستمرة باليقظة وبذل العناية الواجبة، مما يستلزم رصدًا وتقييمًا وتنظيمًا مُستمرًا للأنشطة الخاضعة لولايتها القضائية لمنع حدوث أضرار عابرة للحدود.

 

وعلى النقيض من ذلك، قال الموقع إنه غالبًا ما تُصوّر إثيوبيا قضية النيل على أنها مسألة سيادة مطلقة على الموارد الطبيعية، مستندةً إلى مبدأ السيادة الدائمة الذي أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803. 

 

الضرر العابر للحدود

 

وأشار إلى أنه على الرغم من صحة هذا المبدأ، إلا أن القانون الدولي واضح في أنه لا يُلغي الالتزامات المتعلقة بالضرر العابر للحدود. فالسيادة على الموارد الواقعة داخل أراضي الدولة ليست مطلقة عندما تكون هذه الموارد مشتركة مع الطبيعة. وتتطلب الأنهار العابرة للحدود إدارة تعاونية، تحديدًا لأن العمل الأحادي الجانب قد يُكبّد الآخرين تكاليف باهظة.

 

وذكر أن هذا التمييز يتضح جليًا عند مقارنة مطالبات إثيوبيا بالنيل بأي ادعاء صريح أو ضمني بحق إريتريا في الوصول إلى البحر، إذ أن سواحل إريتريا وموانئها، بما فيها عصب ومصوع، ليست موارد عابرة للحدود؛ بل هي أصول وطنية سيادية وجزء لا يتجزأ من سلامة أراضي إريتريا. 

 

وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تمارس الدول الساحلية سيادتها الكاملة على موانئها ومياهها الإقليمية. في حين أن الدول غير الساحلية مثل إثيوبيا لها الحق في الوصول إلى البحر بموجب المادة 125 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهذا الحق مشروط صراحة بالاتفاق مع دول العبور ولا يستلزم الملكية أو السيطرة أو الحق القسري، كما يقول التقرير.

 

من الناحية القانونية، أوضح أن الوضعين يختلفان اختلافًا جوهريًا. فالنيل مجرى مائي مشترك تحكمه مبادئ الاستخدام العادل ومنع الإضرار. أما موانئ إريتريا فهي ثروة وطنية مصونة، ملكٌ للشعب الإريتري وحده. وأي محاولة لتصوير الوصول إلى هذه الموانئ كحق قائم على الضرورة الاقتصادية من شأنها أن تنتهك المبادئ الأساسية للسيادة الإقليمية، وحظر ميثاق الأمم المتحدة للتهديدات التي تمس السلامة الإقليمية، والمبدأ الأفريقي القائل بـ"الوضع القائم"، الذي يُرسي حدود القارة.

 

ورأى أن المقارنة تكشف عن تناقض هام. ففيما يتعلق بالنيل، تميل إثيوبيا إلى التأكيد على السيادة مع التقليل من شأن هشاشة الوضع في المصب والحاجة إلى قواعد ملزمة. أما فيما يخص الوصول إلى البحر، فإن أي طعن في سيادة موانئ إريتريا سيمثل مطالبة أوسع نطاقًا وأقل قابلية للدفاع عنها قانونيًا من أي شيء قدمته مصر. فمصر لا تسعى إلى امتلاك الأنهار الإثيوبية أو السيطرة على الأراضي الإثيوبية؛ بل تسعى إلى الاستقرار والتعاون وضمانات قابلة للتنفيذ قانونًا لحماية سكانها من أي خطر وجودي.

 

الاستقرار الإقليمي في أفريقيا

 

وأردف: "من وجهة نظر مصر، يعتمد الاستقرار الإقليمي في أفريقيا على احترام هذه الفروقات القانونية. فالموارد المشتركة تتطلب حوكمة مشتركة، والأصول السيادية تتطلب احترامًا مطلقًا. إن طمس هذا الخط الفاصل يُنذر بتطبيع المطالبات القائمة على القوة والمبررة باحتياجات التنمية، وهو اتجاه من شأنه زعزعة استقرار حوض النيل، بل والقرن الأفريقي وما وراءه".

 

وخلص إلى القول أنه يُمكن فهم موقف مصر من النيل على أنه دفاع عن البقاء ضمن نظام دولي قائم على القواعد. فهي تُقر بحق إثيوبيا في التنمية، لكنها تُصر على ممارسة هذا الحق وفقًا للمعايير الدولية الملزمة المصممة لإدارة الموارد المشتركة ومعالجة أوجه الضعف غير المتكافئة. 

 

وفي الوقت نفسه، قال إن القانون الدولي يرسم حدودًا واضحة: فبينما تتطلب أنهار كالنيل التعاون، تظل موانئ إريتريا أصولًا وطنية سيادية غير قابلة للتفاوض. ومن وجهة نظر مصر، لا يُمكن بناء تعاون إقليمي حقيقي إلا على القانون، وضبط النفس المتبادل، واحترام كل من المسؤوليات المشتركة والسيادة المصونة.

https://redseabeacon.com/sovereignty-survival-and-the-rule-of-law-egypt-ethiopia-the-nile-and-eritreas-inviolable-maritime-rights/