أبرز موقع "أنالتيكا توداي"، تحول الصراع بين مصر وإثيوبيا من الأنهار إلى الموانئ، ومن السدود إلى الممرات البحرية، مما قرّب القرن الأفريقي من عتبة خطيرة.
وقال إنه لأكثر من عقد من الزمان، تمحورت سياسة مصر تجاه إثيوبيا حول هدف واحد: إيقاف أو إعادة تشكيل سد النهضة الإثيوبي، لكنها خسرت هذه المعركة إلى حد كبير، بعد أن أصبح السد قيد التشغيل، وراسخًا دبلوماسيًا، ومقبولًا بشكل متزايد كحقيقة من حقائق الحياة الإقليمية.
وأضاف: "يبدو أن القاهرة قد أعادت النظر في استراتيجيتها ردًا على ذلك. فبدلاً من الضغط الهيدروليكي في المنبع، تتجه مصر الآن إلى استكشاف النفوذ في المصب والبحر، مستهدفةً بذلك نقطة الضعف الاستراتيجية الأشد خطورة لدى إثيوبيا: الوصول إلى البحر".
من النيل إلى البحر – التحول الاستراتيجي لمصر
وعلق التقرير على الاتفاقات السرية بين مصر وإريتريا وجيبوتي لتطوير مينائي عصب ودوراليه، قائلاً: "سواء أكانت هذه الترتيبات معاهدات رسمية أم تفاهمات أمنية غير رسمية، فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئًا، إذ أن أثرها الاستراتيجي واحد".
وأوضح: "لا تُعدّ هذه الموانئ أصولاً هامشية. فميناء دوراليه يُدير نحو 95% من تجارة إثيوبيا. أما ميناء عصب، فيحتلّ مكانةً فريدةً في التخطيط الاستراتيجي الإثيوبي باعتباره المنفذ البحري الأكثر جدوى على المدى الطويل. ويُترجم النفوذ على أيٍّ من هذين المينائين إلى نفوذٍ على عصب الاقتصاد الإثيوبي".
ورأى أن هذا يمثل تحولاً نوعيًا في التنافس المصري الإثيوبي، فما كان في السابق نزاعًا حول إدارة المياه، يتطور الآن إلى صراع على طرق التجارة وسلاسل الإمداد والاستقلال الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن القاهرة تسعى إلى استكشاف نقاط ضعف إثيوبيا ليس من خلال المواجهة المباشرة، بل من خلال الهيمنة على مواقعها.
إثيوبيا ترسم الخط الأحمر
في 13 نوفمبر 2025، أعاد وزير الخارجية الإثيوبي، جيديون تيموثيوس، صياغة مسألة الوصول البحري علنًا باعتبارها قضية وجودية. وحذر في كلمة ألقاها في منتدى للسياسة الخارجية، من أن قبول إثيوبيا بوضعها الدائم كدولة حبيسة ليس "غير محدد ولا غير مشروط"، وحدد صراحةً جزيرة عصب كأولوية استراتيجية.
وقال التقرير إنه بلغة الدبلوماسية، كان هذا أكثر من مجرد بيان- لقد كان مبدأً. تعبيرًا واضحًا عن خط أحمر وطني.
واعتبر في هذا السياق، أن اهتمام مصر بعصب يكتسب دلالة مختلفة، "ففي الثقافة الاستراتيجية الإقليمية، نادرًا ما يُفسَّر عسكرة المصالح الوجودية المعلنة للخصم على أنها ردع محايد، بل يُنظر إليها على أنها استفزاز. فهي، على أقل تقدير، تُشير إلى استعداد للتصعيد، وفي أسوأ الأحوال، تدعو إلى المواجهة باختبار مصداقية ذلك الخط الأحمر".
مساران في القاهرة
وأشار التقرير إلى أن موقف مصر تجاه إثيوبيا يسير الآن على مسارين متوازيين.
على المستوى الرئاسي، يواصل عبدالفتاح السيسي التأكيد على الحوار وعدم الاعتداء، مصراً على أن مصر "لم تهدد إثيوبيا قط". ومع ذلك، فإن هذا الخطاب مقيد باستمرار بتحفظات قسرية.
حذر السيسي مرارًا وتكرارًا من أن مصر "ستتخذ جميع التدابير" لحماية أمنها المائي، وأن "جميع الخيارات مطروحة" إذا تجاوزت إثيوبيا الخطوط الحمراء المصرية. الرسالة واضحة لا لبس فيها: الحوار مُتاح، لكن فقط ضمن حدود تُفرض بالتهديد.
وقال "أنالتيكا توداي": "بينما يتحدث السيسي بلغة الدبلوماسية، اتخذ وزير الخارجية بدر عبد العاطي دور المُنفِّذ. فمن خلال وصف سعي إثيوبيا للوصول إلى المياه الإقليمية بأنه "مُزعزع للاستقرار" و"توسعي"، تُعيد القاهرة صياغة الضرورة الاقتصادية لدولة حبيسة كتهديد أمني".
ورأى أن "هذا التحول الخطابي يُمهِّد الطريق لسياسة الاحتواء، مُبرِّرًا بذلك الإجراءات القسرية باسم الاستقرار الإقليمي".
الموانئ كأداة ضغط
مع تحول سد النهضة إلى أمر واقعي مادي ودبلوماسي، قال الموقع إن مصر يبدو أنها تتجه نحو تضييق الخناق البحري. لا تعتمد هذه الاستراتيجية على الحصار العلني، بل على الوصول والنفوذ والإنكار.
وأوضح أن السيطرة، أو حتى التأثير الجزئي، على ميناء دوراليه قد يمنح القاهرة حق النقض الفعلي على تدفقات التجارة الإثيوبية. ويمكن أن تؤدي التأخيرات أو عمليات التفتيش أو الشروط الأمنية وحدها إلى فرض ضغوط اقتصادية كلية شديدة على اقتصاد يعتمد بشكل كبير على النقل البحري.
وذكر أنه في الممارسات التقليدية للدول، غالبًا ما يُنظر إلى السيطرة على طرق التجارة الحيوية التي تهدد بقاء الدولة على أنها عمل حربي. وعلى الرغم من أن مصر لم تعلن حصارًا، فإن نشر قوات بحرية أو أمنية عند بوابات التجارة الإثيوبية يُحقق نفس الغرض تقريبًا، دون الوضوح القانوني الذي يوفره إعلان رسمي.
الصومال والتطويق الاستراتيجي
وأضاف أن توسع النفوذ الأمني المصري في الصومال يعزز هذه الاستراتيجية. فبينما يُصوَّر رسميًا على أنه دعم للاستقرار ومكافحة الإرهاب، إلا أن وجود القاهرة المتزايد على طول الساحل الصومالي يحمل في طياته دلالات ثانوية واضحة بالنسبة لإثيوبيا.
وأشار إلى أن الصومال وعصب ودوراليه تشكل مجتمعةً قوسًا متصلاً من النفوذ البحري والأمني يمتد من البحر الأحمر إلى غرب المحيط الهندي. ولا تكمن قوته في عمليات المنع المستمرة، بل في المراقبة، وإمكانية منع الوصول، والقدرة على التأثير في البيئة الأمنية المحيطة.
والنتيجة هي تضييق مستمر لقدرة إثيوبيا على المناورة الاستراتيجية وتعميق اعتمادها البحري ضمن بنية أمنية تتمتع فيها القاهرة بنفوذ غير متناسب، بحسب ما يقول التقرير.
ورأى أن استراتيجية مصر في مجال الموانئ لا تمثل مجرد ضغط دبلوماسي، بل هي إعادة تشكيل قسرية للبيئة الاستراتيجية لإثيوبيا. فإذا لم تستطع القاهرة السيطرة على النيل، فمن الواضح أنها تسعى للسيطرة على منفذ إثيوبيا إلى البحر.
وتابع: "لا ينبغي الخلط بين ضبط النفس الذي أبدته إثيوبيا حتى الآن وبين الاستسلام. فعندما تُقيّد مصادر الرزق الاقتصادية والاستقلال الاستراتيجي بشكل منهجي، يضيق هامش الدبلوماسية السلبية بسرعة".
بالنسبة لمنطقة القرن الأفريقي، حذر التقرير من أن المخاطر جسيمة، "إن عسكرة الموانئ التجارية تحول المراكز التجارية إلى بؤر توتر محتملة، مما يزيد من خطر سوء التقدير والتصعيد".
وخلص إلى أن "هذا المسار ليس نهائيًا. ولكن في غياب خفض التصعيد أو وساطة ذات مصداقية، قد تستنتج أديس أبابا أن استعادة الردع وضمان الوصول يتطلبان أكثر من مجرد ضبط النفس".
https://analyticatoday.com/how-egypts-port-strategy-tests-ethiopias-red-line/

