في مواجهة حملة التضليل الممنهجة التي يقودها إعلام النظام وخبراؤه الاقتصاديون لتمرير كارثة "استيراد الغاز من إسرائيل"، وجه الدكتور مراد علي ضربة قاضية لمنطق "البرغماتية الانبطاحية" الذي يروجه الإعلامي عمرو أديب والخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد.

 

فبينما يحاول هؤلاء "ترويض" الرأي العام المصري لقبول التطبيع الاقتصادي تحت لافتة "المصلحة" و"لغة الأرقام"، جاءت تساؤلات "علي" لتكشف أن ما يحدث ليس صفقة تجارية، بل شراكة كاملة الأركان في الجريمة، وتمويل مباشر لعدو لا يخفي أطماعه، لتضع هذه التساؤلات حكومة الانقلاب وأبواقها الإعلامية في قفص الاتهام التاريخي والأخلاقي بتهمة خيانة دماء الأشقاء وتهديد الأمن القومي المصري.

 

منطق "المصلحة" أم "المشاركة في الجريمة"؟.. حينما يبرر الإعلامي والخبير شراء "الدم"

 

استخدم الدكتور مراد علي تشبيهاً لاذعاً ودقيقاً لنسف السردية التي يحاول عمرو أديب ومحمد فؤاد ترسيخها في العقول. فالسؤال لم يعد عن جدوى الصفقة اقتصادياً، بل عن أخلاقيتها ومشروعيتها. حينما سأل: "هل تقبل أن تشتري من حرامي هاتف مسروق بسعرٍ مغرٍ؟"، كان يوجه صفعة لمنطق "الفهلوة" الذي يدير به النظام ملفاته. لكن الكارثة التي أبرزها "علي" تتجاوز السرقة؛ فاللص هنا (الكيان الصهيوني) لم يسرق الهاتف (الغاز) فحسب، بل قتل "أخاك" (الفلسطيني) أثناء السرقة.

 

وهنا يظهر العوار الأخلاقي الفادح في خطاب عمرو أديب، الذي يصرخ ليل نهار مبرراً الارتماء في أحضان الاحتلال بدعاوى الواقعية، وكذلك في خطاب الدكتور محمد فؤاد الذي يغلف الخيانة بغلاف أكاديمي بارد، متجاهلاً أن "الفرصة الاقتصادية" التي يتحدثون عنها هي في الحقيقة مكافأة للقاتل على جريمته. إن قبول شراء الغاز المسروق من فلسطين المحتلة هو اعتراف بشرعية السارق، ومشاركة فعلية في الجريمة، وهو ما يحاول هؤلاء "المطبعون الجدد" إخفاءه خلف ستارة كثيفة من المصطلحات الاقتصادية الجافة التي تنزع الإنسانية عن المشهد.

 

اقتصاديات "الانتحار".. مليارات المصريين تتحول إلى رصاص في صدور الفلسطينيين

 

انتقل الدكتور مراد علي في طرحه إلى نقطة أخطر تتجاوز العاطفة لتلامس صلب الأمن الاستراتيجي، مفنداً خرافة "فصل السياسة عن الاقتصاد" التي يروج لها ضياء رشوان وجوقة النظام. المال في حالات الصراع ليس محايداً؛ إنه "ذخيرة". المليارات التي تضخها حكومة الانقلاب في خزينة الاحتلال مقابل الغاز ليست مجرد أرقام في موازنة، بل هي شريان حياة لآلة حرب وحشية.

 

هذه الأموال تعود غداً في صورة صواريخ تدك غزة، ومستوطنات تبتلع الضفة، وربما -وهو السيناريو الأرعب الذي حذر منه علي- سلاحاً يوجه لصدر المصريين أنفسهم أو لابتزاز الدولة المصرية أمنياً وسياسياً. إن من يبرر هذه الصفقات، سواء كان عمرو أديب بصوته المرتفع أو محمد فؤاد بتحليلاته الهادئة، يمارس نوعاً من "الغباء الاستراتيجي" الذي يرقى لمرتبة الخيانة العظمى. فكيف لعاقل أن يمول عدوه، ويمنحه المال ليشتري السلاح الذي سيهدده به لاحقاً؟ إن النظام الحالي لا يكتفي بالتخلي عن دوره الإقليمي، بل يمول بمدخرات المصريين مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يقوم على أنقاض الأمن القومي العربي.

 

 

سقوط أقنعة "تجار الكلام".. أديب وفؤاد في مواجهة التاريخ

 

ما طرحه مراد علي يضع عمرو أديب ومحمد فؤاد، ومن ورائهم حكومة الانقلاب، أمام حقيقتهم العارية بلا رتوش. إن محاولة تسويق "العار" على أنه "ذكاء اقتصادي" لم تعد تنطلي على أحد. هؤلاء الذين يحاولون إقناع الجماهير بأن "المال لا دين له" يتجاهلون أن المال الذي يدفع لقاتل الأطفال له "لون الدم".

 

إن الامتناع عن هذه الصفقة، كما أشار "علي"، كان أثمن من أي عائد مالي موهوم، لأن الثمن الذي ستدفعه مصر والمنطقة نتيجة تقوية هذا الكيان السرطاني سيكون باهظاً ومضاعفاً في المستقبل. لقد اختار هؤلاء "المبرراتية" الوقوف في خندق العدو، مفضلين المكاسب الآنية والرضا السلطوي على حساب المبادئ والثوابت الوطنية. هذه الرسالة ليست مجرد نقد سياسي، بل هي وثيقة تاريخية تثبت أن هناك من حذر، وهناك من خان، وهناك من برر الخيانة على شاشات التلفاز وفي ندوات الاقتصاد، واصفاً بيع دماء الأشقاء بأنه "فرصة لا تعوض".