يتزايد عدد المصريين الذين يحاولون الهجرة إلى أوروبا على أمل تحسين أوضاعهم المعيشية يومًا بعد يوم، في ظل وصول التضخم في مصر إلى مستويات قياسية، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدلات البطالة، وقيام الحكومة المثقلة بالديون بتقليص الإنفاق.

 

ولا يبالي هؤلاء المهاجرون وغالبيتهم من الشباب الذي يجد في الهجرة إلى أوروبا عبر البحر محاولة للخروج من الوضع المعيشي المتردي في البلاد، بأن أحلامهم قد يبتلعها البحر قبل وصولهم إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، فالأمل يحذوهم أن يكونوا من الناجين وأن يصلوا إلى وجهتهم في النهاية.

 

بل إن الكثير من هؤلاء قريون ربما لم يغادروا من قبل إلى خارج محافظاتهم، حيث يعملون غالبًا في الزراعة، أو في حرف أخرى، والبعض قد يكون تخرج حديثًا من الجامعة ولم يجد فرصة عمل مناسبة، أو تلائم طموحه.


وتصل تكلفة السفر إلى نحو 150 ألف جنيه، حيث عادة ما يتجهون إلى ليبيا المجاورة، والتي تنشط فيها عمليات التهريب إلى أوروبا. 

 

وقد بدأ عدد المصريين الذين يغادرون البلاد بهذه الطريقة في الارتفاع بشكل كبير تمامًا في ظل الانهيار الاقتصادي وارتفاع التضخم بشكل كبير.

 

وقد أحصت المنظمة الدولية للهجرة ما يقارب 22 ألف مهاجر مصري وصلوا إلى أوروبا في عام 2022، معظمهم عبر البحر، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة التي لم يكن فيها المصريون من بين الجنسيات الأكثر طلباً للجوء في دول الاتحاد الأوروبي. 

 

وقد دفع هذا الرقم مصر إلى صدارة الدول، متجاوزة المهاجرين غير الشرعيين من جميع الدول الأخرى، بما في ذلك أفغانستان وسوريا التي مزقتها الحرب.

 

السياسة الحكومية

 

ويقول خبراء اقتصاديون إن مصر تضررت من ارتفاع الديون نتيجة الإنفاق الحكومي الضخم على مشاريع عملاقة، من بينها مشروع العاصمة الجديدة، مما أدى إلى انهيار الجنيه، وتآكل قيمته الشرائية. 

 

ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن "العديد من المهاجرين يتعرضون لسوء المعاملة أو يموتون في طريقهم إلى وجهتهم، ويُترك الكثيرون منهم في الطريق دون أي موارد". 

 

كما يغامر الباحثون عن حياة أفضل بأرواحهم، مع تكرار حوادث غرق المراكب التي تنقل مهاجرين غير شرعيين. 

 

وفي يونيو 2023، وعلى بعد أميال قليلة من الساحل اليوناني، غرقت سفينة صيد، مما أدى إلى غرق المئات ممن كانوا على متنها، من بينهم مصريون، وقد نجا عدد قليل منهم، لكن الغالبية اختفوا ولم يظهر لهم أثر.

 

ومؤخرًا، لقي 14 مواطنًا مصريًا حتفهم، بينما لا زال 13 آخرون في عداد المفقودين، من بين 34 مهاجرًا من جنسيات مختلفة، إثر غرق مركب كان متجهًا من إحدى الدول المجاورة إلى اليونان، بحسب وزارة الخارجية المصرية.

 

وأوقفت السلطات المصرية إلى حد كبير مغادرة قوارب المهاجرين من الساحل الشمالي لمصر منذ عام 2016. 

 

تمويل أوروبي لمصر لمراقبة الحدود

 

وقدم الاتحاد الأوروبي تمويلاً لمراقبة الحدود في مصر، قائلاً إن نقص الفرص الاقتصادية وتغير المناخ في دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة وتتكون في معظمها من صحراء يجعل من المرجح أن يرتفع تدفق المهاجرين على المدى الطويل.

 

وفي مارس 2024، اتفق الاتحاد الأوروبي ومصر على حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو، تشمل 200 مليون يورو مخصصة للهجرة تحديدًا، بالإضافة إلى مشاريع أخرى بقيمة عشرات الملايين من اليورو لدعم الشرطة وأجهزة الحدود والأمن المصرية.


وقالت نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، إن الصعوبات الاقتصادية في الشرق الأوسط تدفع المزيد من الناس إلى القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

 

وأوضحت أن الدول الأوروبية شددت سياساتها تجاه المهاجرين بسبب الأعباء المالية والسياسية الناتجة عن الأزمات الدولية، ما يزيد صعوبة الهجرة غير الشرعية ويجعلها محفوفة بالمخاطر.

 

وأشارت إلى أن من ينجح في الوصول بطريقة غير شرعية يعيش تحت ضغوط كبيرة، مضطرًا لقبول أي شروط عمل في مجتمع غريب عنه من حيث اللغة والعادات والتقاليد.

 

انخفاض أعداد المهاجرين غير الشرعيين

 

وأكد وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين انخفضت بنحو 60 بالمائة، وأن الجهود المبذولة في هذا الصدد يجب تكثيفها.

 

من جانبه، أكد وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، أن "هذه هي السنة الثانية التي نحقق فيها خفضا كبيرا في التدفقات غير النظامية للمهاجرين نحو إيطاليا، لقد انخفضت أعداد الوافدين بنسبة تقارب 60 بالمائة".

 

ووفقًا للوزير، فإن طرق الهجرة غير النظامية "ليست ظواهر عفوية، بل هي أنظمة منظمة للاتجار عبر الحدود تزدهر عندما تفشل قدرة الدول على التدخل في مواكبة قدرة المنظمات الإجرامية على التكيف".