أثار الفيلم الوثائقي الذي عرضته قناة "آر تي إل" الفرنسية-الألمانية مؤخرًا، بعنوان السيسي: "فرعون مصر الجديد"، غضب الإعلام الموالي للأجهزة الأمنية في مصر.
ويرصد الفيلم البالغ مدته نحو 54 دقيقة مشاهد إنسانية لمعاناة المصريين، حيث يعرض لقطات من الشارع المصري تُظهر تفاقم الفقر وتدهور مستويات المعيشة، مع شهادات لمواطنين تحدّثوا بأصوات خافتة ووجوه مخفية، في دلالة واضحة على مناخ الخوف والردع الأمني الذي يخيّم على المجال العام.
ويقدّم الوثائقي تحليلًا سياسيًا واقتصاديًا بنيويًا لطبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع والدولة الحديثة.
العاصمة الإدارية الجديدة
ويضع العاصمة الإدارية الجديدة في قلب المشهد النقدي، باعتبارها رمزًا فجًّا للتناقض بين خطاب "الإنجاز" وواقع الانهيار الاجتماعي. مدينة فاخرة تُشيَّد في الصحراء على نمط المدن الخليجية، بينما تعاني مصر من أزمة ديون خانقة جعلتها من بين أعلى الدول مديونية عالميًا وفق بيانات صندوق النقد الدولي، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول أولويات السلطة ومسار التنمية.
ويستدعي العمل البعد التاريخي للفرعونية بوصفه أداة رمزية للهيمنة السياسية، مشيرًا إلى أن السيسي يوظّف خطابًا بصريًا وسلطويًا يعيد إنتاج الحاكم الفرد بوصفه «فرعونًا جديدًا» يمتلك القرار المطلق،
ويبرّر المشروعات العملاقة مهما بلغت كلفتها الاجتماعية والاقتصادية. كما يكشف الوثائقي عن الدور المحوري للمؤسسة العسكرية التي لم تعد فاعلًا أمنيًا فقط، بل أصبحت قوة اقتصادية مهيمنة على قطاعات حيوية تشمل الموانئ، وقناة السويس، والبناء، والمشروعات القومية الكبرى.
ويستضيف الفيلم عددًا من الأصوات السياسية والتحليلية البارزة، من بينها الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند، الذي يتحدث عن افتتاح قناة السويس الجديدة، مؤكدًا أن الطابع العسكري يهيمن على الإدارة والقرار في مصر.
كما يتحدث مهندس فرنسي شارك في تنفيذ أنفاق قناة السويس عن أن العمل جرى تحت إدارة الجيش وبـ"ميزانيات مفتوحة"، حيث كان الهدف الدائم هو السرعة "مهما كان الثمن".
ويوثق معتقلون سابقون ومشاهد مسرّبة من السجون، قسوة المنظومة العقابية، وتكشف كيف بات القمع جزءًا بنيويًا من إدارة الدولة.
ويشرح محللون سياسيون، من بينهم يزيد صايغ، كيف تحوّلت الدولة إلى «جيش في الداخل»، مدعومًا بقبول دولي يراه شريكًا في حفظ الاستقرار الإقليمي رغم السجل الحقوقي الكارثي.
كما يتناول الوثائقي هشاشة النموذج الاقتصادي القائم، مشيرًا إلى اعتماد مصر المتزايد على التمويل الخارجي من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وقروض الخليج، لسد عجز الموازنة وتمويل الواردات، في وقتٍ لا ينعكس فيه أي نمو اقتصادي على حياة المواطنين، الذين يرزحون تحت وطأة التضخم وغلاء المعيشة.
ويطرح الفيلم سؤالًا مركزيًا: هل يمكن لنظام سياسي أن يستمر في ضخ الموارد في مشروعات استعراضية بينما تتآكل الطبقة الوسطى ويتعمّق الفقر وتتسع الفجوة الاجتماعية؟
ويقدم الفيلم السؤال، بوصفه إنذارًا مبكرًا لانفجار اجتماعي محتمل إذا استمرت الهوّة بين "دولة الأبراج والقصور و"بلد الشوارع المنهكة". ويكشف كيف تؤدي الهيمنة العسكرية إلى إضعاف الحوكمة وخنق المجال العام ومنع أي صوت معارض.
🛑 السيسي فرعون مصر الجديد… وثائقي أوروبي محظور يهز صورة الحكم في القاهرة ( مترجم )
— omar elfatairy (@OElfatairy) December 14, 2025
قبل يومين، بثّت قناة Arte الفرنسية-الألمانية فيلمًا وثائقيًا جديدًا من إنتاج عام 2025 بعنوان السيسي: فرعون مصر الجديد، في عملٍ مدته نحو 54 دقيقة، قدّم قراءة نقدية مباشرة وحادّة للواقع المصري في… pic.twitter.com/TfR5tiOQ6N
الديهي: الفيلم بتبني رواية إسرائيلية ضد مصر
بدوره، انتقد الإعلامي الموالي للأجهزة الأمنية في مصر نشأت الديهي، الفيلم الوثائقي، لأنه من وجهة نظره يهاجم الدولة المصرية ويقدّم رواية مشوهة للتاريخ، مؤكدًا رفضه لما وصفه بمحاولات تزوير التاريخ والإساءة لمصر.
وقال الديهي، إن الفيلم تقف خلفه أطراف، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين وإسرائيل، داعيًا إلى ضرورة الرد الرسمي أو على الأقل إبداء الغضب والاستفسار عمّا حدث، لاسيما في ظل عرضه في دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا، واصفًا ما تضمنه الفيلم بـ"الكلام الفارغ والأباطيل" التي تستوجب الانتباه وعدم الصمت تجاهها.
واتهم قناة "آر تي إل" الألمانية الفرنسية المشتركة بتبنّي وجهة النظر الإسرائيلية في تناولها للشأن المصري، مؤكدًا أن مصر "لا تستحق إلا كل خير"، وأن الشعب المصري يتحلّى بـ"صبر أيوب" في مواجهة ما وصفه بحماقات الكثيرين وحملات التشويه المتكررة.
ووجّه رسالة تحذير لكل من تسوّل له نفسه الإساءة إلى مصر، قائلاً: "أنت مخطئ في حساباتك"، مشددًا على أن مثل هذه الحملات لن تنال من الدولة المصرية أو تاريخها.

