في الوقت الذي تكتفي فيه حكومة الانقلاب بإصدار الكتب الدورية والقرارات البيروقراطية كرد فعل متأخر على كوارث الانتهاكات الجنسية التي تضرب المدارس المصرية، بادرت منظمات المجتمع المدني لملء الفراغ الحكومي وطرح حلول جذرية للأزمة.

 

فقد أعلنت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، الاثنين، عن الانتهاء من إعداد "أول مناهج تعليمية متكاملة" للتربية الجنسية والصحة الإنجابية في مصر، مصممة لتغطية كافة المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى الثانوية، في خطوة تكشف عجز المنظومة الرسمية عن حماية الأطفال وتوعيتهم.

 

هذه المناهج، التي تأتي تحت شعار حملة "معرفة تحمي"، تمثل جرس إنذار للنظام الذي يبدو منفصلاً عن الواقع؛ حيث أكدت المؤسسة إرسال نسخ كاملة من المشروع إلى وزارة التربية والتعليم ورئاسة الوزراء لفتح مسار رسمي للنقاش، إلا أن الصمت والتجاهل كانا الرد الرسمي حتى اللحظة، مما يثير تساؤلات حول جدية الحكومة في حماية الطلاب من وحش العنف الجنسي الذي بات يهدد أمنهم داخل المؤسسات التعليمية.

 

صمت حكومي وتخبط إداري أمام الحلول العلمية

 

رغم تفاقم ظاهرة العنف الجنسي داخل المدارس، قوبل الجهد الأهلي والميداني الذي استمر لسنوات بتجاهل حكومي فج. ففي تصريحات لمديرة برنامج الحقوق الصحية والإنجابية بالمؤسسة، ماجدة سليمان، أكدت أنه تم اعتماد النسخ النهائية للمناهج بعد اختبارها ميدانياً، وإرسالها رسمياً لوزير التربية والتعليم بحكومة الانقلاب قبل عشرة أيام، "دون تلقي أي رد حتى الآن".

 

المفارقة الصارخة ظهرت في رد المتحدث الرسمي للوزارة، شادي زلطة، الذي نفى علمه بالموضوع، مدعياً أنه "لم يبلغ به ويحتاج لمزيد من الوقت للسؤال"، في مؤشر واضح على الترهل الإداري وغياب التنسيق داخل أروقة الوزارة التي يفترض بها حماية النشء. هذا التخبط يأتي في وقت يكتفي فيه الوزير بإصدار "كتب دورية" ورقية بشأن أمن الطلاب، وهي إجراءات يرى مراقبون أنها مجرد "مسكنات" إعلامية لامتصاص الغضب الشعبي عقب الكشف عن وقائع اعتداءات وحشية في المدارس الدولية والخاصة، دون وجود رؤية تربوية وقائية حقيقية.

 

كسر "التابوهات" لإنقاذ الأطفال من الجهل

 

على العكس من المناهج الحكومية العقيمة التي تعتمد التلقين وتتجاهل احتياجات الطلاب النفسية والجسادية، قدمت المؤسسة رؤية جريئة تقتحم المناطق المحظورة التي يتركها النظام للمجهول. المناهج المقترحة، وفقاً لسليمان، ليست رد فعل مؤقت، بل حصيلة عمل ميداني منذ 2007 كشف عن "فجوات وعي مرعبة" ومعلومات مغلوطة تدفع الأطفال للبحث في أماكن غير آمنة.

 

وتناولت المناهج قضايا شائكة اعتبرها المجتمع والنظام "خطوطاً حمراء"، مثل العادة السرية والختان والبلوغ، وذلك بناءً على تساؤلات حقيقية من الطلاب الذين يعانون من التخبط. واعتمدت الفلسفة التعليمية للمناهج على التعليم التشاركي لترسيخ الثقة وكسر حاجز الخوف، بهدف تسليح الطفل بمهارات "الرفض والإبلاغ والحماية"، وهي المهارات التي يفتقدها الطالب المصري في ظل نظام تعليمي يغيب عنه الحوار، وأسرة تفتقر لآليات المصارحة، مما يجعل الأطفال فريسة سهلة للاستغلال والصمت خوفاً من الفضيحة.

 

حصاد الإهمال.. أرقام مفزعة لجرائم الاغتصاب والتحرش

 

يأتي هذا الطرح في ظل واقع مأساوي تكشفه لغة الأرقام، التي تفضح فشل المنظومة الأمنية والتعليمية للنظام الحالي. فقد وثقت مؤسسة "إدراك للتنمية والمساواة" ما يقرب من 495 جريمة عنف ضد النساء والفتيات خلال النصف الأول من عام 2025 فقط، تضمنت 122 جريمة تحرش جنسي و62 اعتداء جنسياً على أطفال، منها 9 حالات اغتصاب كامل.

 

وفي السياق المدرسي تحديداً، رصد "مرصد العنف في البيئة المدرسية" التابع لمؤسسة "مصريين بلا حدود" 51 واقعة عنف خلال ثلاثة أشهر فقط، شملت 7 حالات تحرش واغتصاب. وتتوالى الفضائح من مدرسة "سيدز" بالعبور إلى مدرسة "الإسكندرية للغات"، حيث أحيلت أوراق عامل "جنايني" للمفتي بعد اعتدائه على 5 أطفال، وأخرى في البحيرة حيث اعتدى مدير مالي على طفل. هذه السلسلة من الجرائم تؤكد أن القبضة الأمنية للنظام موجهة فقط لقمع المعارضين، بينما تُترك المدارس ورياض الأطفال مستباحة، بلا رقابة حقيقية أو مناهج توعوية تحمي براءة الأطفال من المجرمين.