لطالما نظرت الأنظمة المتعاقبة، بما فيها النظام الحالي إلى النمو السكاني المتسارع في مصر باعتباره يمثل المشكلة الأكبر التي تعيق نمو الاقتصاد الوطني وتعرقل مخططات التنمية. 

 

وارتفع عدد سكان مصر من 10 ملايين نسمة في عام 1950 إلى أكثر من 105 ملايين نسمة في عام 2023، ويصل متوسط أعداد المواليد الجدد في مصر 5683 مولد يوميًا، بمعدل 4 مواليد كل دقيقة. 

 

ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 128 مليون نسمة بحلول عام 2030 على الرغم من الحملات الحكومية التي تشجع على استخدام وسائل منع الحمل والحد من الإنجاب، وإنجاب طفلين على الأكثر، إلا أنها لم تحقق أهدافها في خفض معدل النمو السكاني الإجمالي، الذي لا زال يرتفع بمعدل سنوي قدره 2.51 بالمائة. 

 

ووفقًا لبيانات رسمية، فإن نسب الإنجاب في الريف 3 أضعاف الحضر، ويبلغ أعلى مستوى في محافظات الوجه القبلي وأقل مستوى في المحافظات الحضرية.

 

وفي مارس 2023، أقرت حكومة الانقلاب، ادخار 1000 جنيه سنويًا لكل سيدة متزوجة لديها طفلان بحد أقصى، تستحق صرفها عند بلوغ عمر 45 سنة، بهدف تغيير دوافع السيدات بشأن زيادة الإنجاب، ولتحقيق خطة الدولة في السيطرة على الزيادة السكانية لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

 

السيسي: يجب تنظيم الحرية المطلقة" في معدلات الإنجاب

 

وخلال مداخلته في المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية بالعاصمة الإدارية الجديدة الذي عقد في سبتمبر من نفس العام، قال قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، إن المشكلة السكانية في مصر، تعتبر من أخطر القضايا التي تواجهها، مشددًا على ضرورة تنظيم "الحرية المطلقة" في معدلات الإنجاب، مشيرًا إلى أن المطلوب هو الوصول إلى 400 ألف مولود سنويا لتخفيض الزيادة السكانية.

 

ولعلع هذا يثير التساؤل: هل يُعدّ النمو السكاني المطرد في مصر نقمةً تُلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الوطني وتستنزف موارد البلاد؟ أم أنه نعمةٌ لم تُستغلّ بالشكل الأمثل لتحقيق فوائد اقتصادية وتنموية؟.

 

الكاتب والمحلل جمال سلطان عقد قارنة بين مصر وغيرها من الدول التي تتفوق عليها من حيث الزيادة السكانية، للتدليل على فشل الحكومات المتعاقبة في استغلال الطاقة البشرية في تحقيق نهضة اقتصادية كما فعلت هذه الدول: 

 

مصر، عدد السكان 100 مليون، مساحة الأرض مليون كم، تصدر غاز وبترول، الناتج المحلي 394 مليار دولار، متوسط دخل المواطن سنويًا 4000 دولار.

 

اليابان، عدد السكان 126 مليون، مساحة الأرض 378 كم (ثلث مساحة مصر) لا تملك أي مصادر طاقة، الناتج المحلي 5 ترليون دولار ( 5 آلاف مليار دولار)، متوسط دخل المواطن سنويا 37000 دولار.

 

ألمانيا، عدد السكان 83 مليون، مساحة الأرض 357 ألف كم (ثلث مساحة مصر) لا تملك أي مصادر طاقة، الناتج المحلي 4 ترليون دولار ( 4 آلآف مليار دولار) وتطلب الآن 400 ألف مهاجر سنويا لتغطية حاجات المصانع وحركة الانتاج، متوسط دخل المواطن سنويا 52000 يورو.

 

ليتساءل سلطان في النهاية: "هل المشكلة في زيادة السكان، أم في فشل من يحكم السكان؟!!".

 

 

سياسات تنموية

 

ويتفق في الرأي مع ما ذهب إليه محللون حول فشل الحكومات المصرية المتعاقبة في وضع سياسات تنموية كافية قادرة على معالجة التحديات الجسيمة التي تواجه الشعب المصري، ولا سيما الشباب، في مجالات التعليم والتوظيف والإسكان والصحة، على سبيل المثال لا الحصر.

 

وهو ما يدفعهم إلى القول بأن الحد من أن النمو السكاني في مصر لن يوقف ارتفاع مستويات الفقر، إذ إن قضية الفقر، أو التنمية الاقتصادية بشكل أوسع، أكثر تعقيدًا وتعددًا من مجرد حجم سكان الدولة. وتُعد الصين، الدولة الأكثر كثافة سكانية في العالم، مثالًا واضحًا على ذلك.

 

ثانيًا، تتمتع مصر بسكان شباب، حيث تبلغ نسبة من هم دون سن الثلاثين حوالي 61 بالمائة. وينبغي النظر إلى هذه الفئة السكانية كمورد حيوي يجب تنميته لبناء مستقبل أفضل. فمعظم الدول الأوروبية، على سبيل المثال، تعاني من تباطؤ معدلات النمو السكاني، إلى جانب تزايد شيخوخة السكان، مما يجعلها في حاجة ماسة إلى العمالة وتعاني من نقص في رأس المال البشري. 

 

وتستقبل ألمانيا، على وجه الخصوص، اللاجئين ليس فقط لأسباب إنسانية، بل أيضًا لحاجتها الماسة إلى العمالة البشرية، نظرًا لشيخوخة سكانها.

 

ثالثًا، تشير أولويات الحكومة الحالية في تخصيص الموارد وإنفاق الأموال إلى تناقض بين مزاعمها وأفعالها. فمن جهة، تزعم عدم وجود موارد كافية في البلاد، ويعود ذلك أساسًا إلى النمو السكاني المتسارع، الذي تُحمّله مسؤولية استنزاف ثروات البلاد وإعاقة تنميتها. 

 

ومن جهة أخرى، لا تعكس أنماط الإنفاق الحكومي دائمًا وضع بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة. فبينما يُطلب من المصريين قبول إجراءات تقشفية صارمة، مثل خفض الدعم، تتوسع الحكومة في الإنفاق ببذخ، ومن ذلك إنشاء عاصمة إدارية جديدة ، يراها كثير من المصريين غير مبررة أو غير ضرورية في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.

 

استمرار معدل النمو السكاني

 

بالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تبقى معتقدات الشعب المصري ومواقفه وعاداته وسلوكياته المتعلقة بالإنجاب على حالها، وبالتالي، من المرجح أن يستمر معدل النمو السكاني. 

 

ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى شريحة الشباب في مصر، على الرغم من انخفاض معدل الخصوبة لدى النساء، الذي من المرجح أن يستمر في الانخفاض مع ازدياد عدد المتعلمين، وانضمام المرأة إلى سوق العمل. 

 

ومن المرجح أن يظل موقف الحكومة تجاه قضية النمو السكاني على حاله، وستواصل إلقاء اللوم عليه في التدهور الاقتصادي والتحديات التنموية الملحة.

 

إعادة ترتيب الأولويات الحكومية 

 

فيما يؤكد منتقدون أنه على الحكومة تغيير منظورها تجاه هذه القضية الهامة، من خلال إعادة النظر في احتياجات ورغبات المواطن المصري العادي، ومواقفه ومعتقداته، وآماله وتحدياته، والأهم من ذلك، واقع مصر الديموغرافي. 

 

ويجب عليها إعادة ترتيب أولوياتها وسياساتها وقراراتها المتعلقة بقضايا التنمية الرئيسة، ووضع رؤية بديلة في المستقبل. 

 

وتشمل بعض الجوانب المهمة التي يجب معالجتها: مكافحة الفساد الحكومي وترشيد الإنفاق، فضلاً عن الاستثمار في القضاء على ارتفاع معدل الأمية في مصر وتحسين جودة النظام التعليمي المتدهور، وهما من أبرز معوقات التقدم والتنمية. 

 

كما يُستحسن أن توفر الحكومة المزيد من فرص العمل للشباب المصري ليكونوا أكثر إنتاجية بدلاً من أن يكونوا عبئاً على الاقتصاد. ويمكنها أيضًا تخصيص موارد لتحسين البنية التحتية العامة وجودة الخدمات في البلاد، بما في ذلك الرعاية الصحية، التي توفر الرعاية الصحية الإنجابية والمشورة اللازمة، والاستثمار في زيادة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة للحد من الآثار السلبية للكثافة السكانية العالية في وادي النيل.