في تصعيد جديد وانتهاك متواصل للسيادة السورية، توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، في مناطق بريفي القنيطرة الجنوبي والشمالي، في خطوة تؤكد مضي إسرائيل في فرض أمر واقع جديد على الأرض، وتكريس "منطقة عازلة" بالقوة، ضاربة عرض الحائط باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 والقرارات الدولية التي تطالبها بالانسحاب.

 

هذه التحركات العسكرية، التي تأتي بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نية البقاء في جنوب سوريا، لا تمثل فقط خرقًا للاتفاقيات، بل هي استغلال واضح للتحولات السياسية التي شهدتها دمشق لفرض وقائع أمنية جديدة تخدم الأجندة التوسعية للاحتلال، في ظل صمت دولي عاجز عن لجم هذه الممارسات.

 

سياسة فرض الأمر الواقع: حواجز وتفتيش

 

وفقًا لوكالة الأنباء السورية (سانا)، فإن قوة من جيش الاحتلال، مؤلفة من ثلاث آليات عسكرية، توغلت باتجاه قرية بريقة في ريف القنيطرة الجنوبي، وأقامت حاجزًا وانتشرت في محيط بئر مياه يعرف باسم "الكباس". وبالتزامن مع ذلك، توغلت قوة أخرى مكونة من خمس آليات عسكرية على الطريق الواصل بين بلدة جباتا الخشب وقرية عين البيضا، حيث أقامت حاجزًا آخر وشرعت في تفتيش المارة وعرقلة حركتهم.

 

هذه التوغلات لم تكن معزولة، بل جاءت بعد يوم واحد من توغل مماثل لقوات الاحتلال في قرية رويحينة بريف القنيطرة الجنوبي. وتصف دمشق هذه التحركات بأنها استمرار لسياسات إسرائيل العدوانية، التي تشمل المداهمات والاعتقالات التعسفية والتهجير القسري وتجريف الأراضي الزراعية، وكلها ممارسات تنتهك بشكل صارخ اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974.

 

نتنياهو يدفن اتفاق 1974

 

تنسجم هذه التحركات الميدانية تمامًا مع التصريحات السياسية الصادرة عن تل أبيب. ففي الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح إن إسرائيل تعتزم البقاء في منطقة عازلة بجنوب سوريا، وأضاف أنه يأمل في التوصل لاتفاق لنزع السلاح في المنطقة، لكنه يصر على بقاء قواته هناك.

 

هذه الاستراتيجية بدأت تتضح معالمها مباشرة في اليوم التالي لإطاحة المعارضة المسلحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي، حيث أعلنت إسرائيل انهيار اتفاق فض الاشتباك، وسيطرت على المنطقة العازلة على الحدود، ودفعت بقواتها للاستيلاء على منطقة جبل الشيخ المحاذية لهضبة الجولان، بحجة "منع الميليشيات من التقدم". وبهذا، تكون إسرائيل قد استغلت الفراغ السياسي في دمشق لدفن اتفاق دام لأكثر من 50 عامًا وفرض واقع أمني جديد.

 

إدانة أممية وتحدٍ إسرائيلي

 

في مواجهة هذه التحركات، تواصل سوريا مطالبة المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته وردع ممارسات الاحتلال، مؤكدة أن جميع الإجراءات التي يتخذها باطلة ولاغية وفقًا للقانون الدولي. وتتلاقى هذه المطالب مع الموقف الدولي الواسع، الذي تجلى مؤخرًا في اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يطالب إسرائيل بالانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، وذلك بأغلبية 123 صوتًا مقابل 7 أصوات فقط ضد القرار.

 

لكن هذا الإجماع الدولي يقابل بتحدٍ إسرائيلي مطلق. فتعليقًا على القرار، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون: "لن تعود إسرائيل إلى حدود عام 1967 ولن تتخلى عن الجولان. لا الآن ولا في أي وقت آخر".

 

ويأتي هذا التصعيد في وقت اتهم فيه الرئيس السوري أحمد الشرع، إسرائيل بمحاولة تصدير أزماتها إلى الخارج، مشيرًا إلى أن بلاده واجهت أكثر من ألف غارة ونحو 400 توغل إسرائيلي.

 

وهكذا، تستمر إسرائيل في رسم خرائط جديدة بالقوة العسكرية، مستغلة الظروف الإقليمية لترسيخ احتلالها، ومتجاهلة كل القوانين والقرارات الدولية، ما يهدد بتفجير الوضع في منطقة لا تحتمل المزيد من النزاعات.