تُظهر تطورات أخيرة أن السياسة السعودية انتقلت من ثنائيات العداء المطلق إلى مرونة براغماتية، تُغيّر تموضعها وفق مصالح لحظية: دعاية سوداء ضد حماس والإخوان عبر قنوات رسمية، انفتاح تكتيكي على حزب الله بوساطة إيرانية، ومسار تطبيع مع إسرائيل مجمّد لا ملغى، كلها محكومة برضى واشنطن والخشية من تصعيد إسرائيلي يؤدي إلى حرب إقليمية خارج السيطرة.

 

الدعاية السوداء: آلية تشويه حماس والإخوان

 

تُمارس قنوات سعودية كـ"العربية" و"الحدث" "دعاية سوداء" ضد حماس والإخوان، كما يصفها الأكاديمي السعودي أحمد بن راشد بن سعيد، عبر اختلاق أخبار تُنسب إلى "مصادر داخل الحركة" لتبدو مصداقيتها زائفة "من أهلها". الهدف الثلاثي: تشويه الصورة أمام الجمهور، إضعاف الثقة بالقيادة، وإشغال الحركة في الدفاع الداخلي بدل المواجهة الخارجية. هذا الأسلوب، أدنى مستويات الانحطاط الأخلاقي، يُربك الجمهور ويُضاعف الأثر النفسي، محوّلاً الإعلام إلى أداة حرب نفسية.

 

الانفتاح على حزب الله: تفاهمات أمنية سرية

 

مقابل ذلك، نقل موقع "ذي كرادل" عن ناشط سعودي تقارير عن "فصل جديد" سعودي مع حزب الله بوساطة إيرانية، بعد جولات محادثات غير مباشرة في طهران. التفاهمات المبدئية: تخفيف الضغط السعودي في لبنان، تأجيل نزع السلاح، التزام الحزب بعدم التدخل في سوريا، والتعاون ضد تهريب المخدرات. الدوافع: حزب الله حاجز أمام إسرائيل، فقدان الثقة بواشنطن، والحاجة لاستقرار لبناني اقتصادي. هذا ليس تحالفًا، بل إعادة تموضع تكتيكي فرضه التصعيد الإسرائيلي.

 

مسار التطبيع مع إسرائيل: وثيقة 2023 المجمّدة

 

في صيف 2023، صاغت الرياض وواشنطن وثيقة حول "العنصر الفلسطيني" في التطبيع، تضمنت تنازلات إسرائيلية محدودة كإعادة تصنيف مناطق في الضفة للسلطة. واشنطن دَعَت لاعتراف بدولة فلسطينية مخفّف، بينما حَذَرَتْ الرياض من الجدول الزمني، وكان نتنياهو يراهن على تعديلها لتأجيل الدولة. هجوم 7 أكتوبر أوقف المسار، لكن التطبيع يبقى خيارًا استراتيجيًا مؤجَّلًا، مرتبطًا بالهدوء الإقليمي.

 

مبدأ "التباعد الاستراتيجي والتقارب التكتيكي"

 

الرياض تتبع "التباعد الاستراتيجي والتقارب التكتيكي": حزب الله خصم لكن ضروري، التطبيع خيار رئيسي مؤجَّل، والحملات ضد حماس/الإخوان لكسر الحركات الإسلامية المهدّدة داخليًا. العداء المطلق لم يعد مجديًا، والتعاون المحدود ضرورة لاحتواء حرب إقليمية، حتى لو على حساب فلسطين.

 

وأخيرا فان  براغماتية سعودية على حساب القضية الفلسطينية

 

السياسة السعودية الجديدة تعكس براغماتية باردة تجنّب الحرب الإقليمية، لكنها تُعيد صياغة الأعداء/الحلفاء على مقاس واشنطن وإسرائيل، محوّلة المقاومة إلى هدف تشويه، والاحتلال إلى شريك محتمل. كلفتها: تآكل القضية الفلسطينية، وزعزعة الاستقرار العربي طويل الأمد، في معادلة تفضّل الأمن النظامي على التضامن الشعبي.