في توصيف دقيق ولاذع لما شهدته العملية الانتخابية الأخيرة، شن الإعلامي والكاتب الصحفي الدكتور أحمد عطوان هجوماً حاداً على مجريات الاقتراع، واصفاً إياها بـ"المسرحية الهزلية" التي لم تصمد طويلاً أمام عدسات الكاميرات. واعتبر عطوان أن مقطع فيديو لا تتجاوز مدته "10 ثواني فقط" كان كفيلاً بنسف الرواية الرسمية وإسقاط ورقة التوت عن عملية سياسية أرادت السلطة تسويقها، ليتحول المشهد إلى فضيحة علنية كشفت عن الوجه الحقيقي لإدارة المشهد الانتخابي في البلاد.

 

يأتي هذا التقرير ليسلط الضوء على الشهادة الموثقة التي طرحها عطوان عبر منصة "إكس"، والتي لخص فيها الحالة الصفرية للديمقراطية، مؤكداً أن ما جرى لم يكن مجرد تجاوزات عابرة، بل "قاعدة عامة" ومنهجية راسخة اتبعتها السلطة لضمان نتائج محسومة سلفاً.

 

منهجية التزوير: القاعدة وليست الاستثناء

 

استهل عطوان تحليله للمشهد بالتأكيد على نقطة جوهرية تضرب شرعية الانتخابات في مقتل، وهي أن الانتهاكات التي رُصدت لم تكن "حالات فردية" أو أخطاء إدارية يمكن تداركها، بل كانت هي "القاعدة" التي سارت عليها العملية برمتها. وقد رصد الإعلامي قائمة طويلة من الخروقات الفجة التي حولت اللجان الانتخابية إلى ثكنات مغلقة لصالح مرشحي السلطة.

 

ومن أبرز هذه الانتهاكات التي وثقها عطوان، ظاهرة "تسويد بطاقات الاقتراع" بشكل جماعي داخل اللجان، في مشهد يعيد للأذهان حقب التزوير التقليدي الفج. ولم يتوقف الأمر عند التلاعب بالأوراق، بل امتد ليشمل إقصاء الرقابة الشعبية والمستقلة عبر طرد مندوبي المرشحين المستقلين من اللجان، لضمان عدم وجود شهود على ما يجري في الغرف المغلقة. هذا الإقصاء الممنهج يؤكد غياب النية لأي ممارسة ديمقراطية حقيقية، حيث تم تفصيل العملية لتخدم طرفاً واحداً فقط.

 

سوق الأصوات: استغلال الفقر والمال السياسي

 

وفي سياق تعريته للآليات التي استخدمت لحشد "الصورة المزيفة"، ركز عطوان بشكل كبير على ظاهرة شراء الأصوات التي تمت "بكافة الوسائل". فقد تحولت العملية الانتخابية إلى سوق مفتوح للمساومة على الذمم، حيث تم رصد توزيع "كراتين المواد الغذائية"، و"الكوبونات"، و"الأموال النقدية" المباشرة، بالإضافة إلى توفير "النقل الجماعي" المجاني والموجه.

 

يشير هذا التحليل إلى استراتيجية خبيثة تعتمد على استغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية للمواطنين، وتحويل الفقر إلى ورقة ضغط سياسية. كما أشار عطوان إلى اختراق سقف الإنفاق الانتخابي بشكل صارخ، حيث أُنفقت مبالغ طائلة تتجاوز أي حدود قانونية دون حسيب أو رقيب، مما يؤكد انحياز أجهزة الدولة ومالها لمرشحي السلطة على حساب المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.

 

التعتيم المتعمد وغياب القضاء المستقل

 

لم تقتصر "الفضيحة" التي تحدث عنها عطوان على شراء الأصوات أو تسويد البطاقات، بل امتدت لتشمل البنية المؤسسية للعملية الانتخابية. فقد أشار بوضوح إلى "اختفاء كشوف الناخبين" أمام اللجان، وهو إجراء يعرقل وصول الناخبين غير الموجهين ويخلق حالة من الفوضى المتعمدة. وتزامناً مع ذلك، تم فرض حصار إعلامي ورقابي مشدد، تمثل في "منع المراقبين المحليين والدوليين" من دخول اللجان، وحظر "التغطية الإعلامية المستقلة" التي قد تنقل الصورة الحقيقية للانتهاكات.

 

والأخطر في شهادة عطوان هو إشارته إلى "غياب القضاء المستقل داخل اللجان"، وهو الركن الذي يُفترض أن يكون الضامن الوحيد لنزاهة العملية. وعندما يضاف إلى ذلك منع المندوبين من حضور عمليات الفرز، وعدم تطابق نتائج الفرز المعلنة مع نسب المشاركة الحقيقية الهزيلة، تتضح الصورة الكاملة لعملية تم هندستها في الظلام بعيداً عن أي رقابة حقيقية، وبانحياز فج من مؤسسات الدولة لمرشحي النظام.

 

الخلاصة: سلطة تعادي الديمقراطية وتصنع الوهم

 

يختتم الدكتور أحمد عطوان شهادته بخلاصة سياسية دامغة، واصفاً السلطة الحالية بأنها "لا تؤمن بالانتخابات والديمقراطية"، وأن عقليتها الاستبدادية لا تعترف بالحقوق الشعبية في الاختيار والتغيير. يؤكد عطوان أن هذه الانتخابات كانت "محسومة النتائج مسبقاً"، وأن كل ما جرى من صخب وضجيج لم يكن إلا محاولة بائسة لصناعة "صورة مشاركة وهمية مزيفة".

 

لقد أرادوا حشداً مصنوعاً بالمال الفاسد لتصدير مشهد ديمقراطي للعالم، لكنهم فشلوا في إخفاء جرائمهم. فـ"10 ثواني فقط" كانت كافية لفضح الزيف، وكشف التزوير، وتععرية النظام أمام شعبه وأمام العالم، ليثبت التاريخ مرة أخرى أن محاولات تجميل الاستبداد عبر صناديق الاقتراع المزورة هي محاولات فاشلة، وأن الحقيقة لا يمكن حجبها بكرتونة مواد غذائية أو بطاقة اقتراع مسودة سلفاً.