في سابقة خطيرة تعيد للأذهان أسوأ حقبات القمع الأكاديمي، أقدمت إدارة جامعة القاهرة على فصل الطالب حسام محمود، المتحدث باسم "أسطول الصمود المصري لكسر الحصار"، بشكل نهائي، في قرار وصفته الأوساط الطلابية والحقوقية بـ"الانتقامي".
الواقعة التي كشفت زيف الشعارات الرسمية حول التضامن مع فلسطين، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الجامعات المصرية قد تحولت من منابر للعلم والحرية إلى "ثكنات أمنية" تعاقب الطلاب على مواقفهم الإنسانية والوطنية، وتجرم التضامن مع أهالي غزة الذين يواجهون حرب إبادة.
جريمة بلا نص قانوني: تفاصيل "الفصل التعسفي"
بدأت الأزمة حين فوجئ حسام محمود بقرار فصله من الكلية دون سابق إنذار أو تحقيق قانوني معلن، في مخالفة صريحة للوائح الجامعية. ورغم محاولات الطالب استيضاح الأمر وتقديم التماس رسمي لإعادة قيده، إلا أن الإدارة قابلت طلبه بالتجاهل التام. ووفقاً لتصريحات محمود، فقد "تقدمت بالتماس لإعادة القيد دون جدوى"، مما يشير إلى أن القرار لم يكن إدارياً بحتاً، بل "فرماناً أمنياً" تم تمريره عبر القنوات الجامعية.
الرواية الرسمية للجامعة حاولت التذرع بحجج واهية مثل "الغياب" أو "عدم استيفاء الساعات"، لكن مصادر طلابية وحقوقية أكدت أن توقيت الفصل جاء مباشرة عقب نشاط حسام المكثف في الترويج لـ"أسطول الصمود"، وهي المبادرة الشعبية التي أحرجت الموقف الرسمي المصري الراكد تجاه معبر رفح والحصار. وقد اعترفت إدارة الكلية ضمنياً في أحاديث جانبية بوجود "خطأ إداري"، لكنها رفضت تصحيحه، مما يؤكد وجود "فيتو أمني" على استمرار الطالب في دراسته.
"أسطول الصمود": المبادرة التي أرعبت السلطة
لم يكن حسام محمود مجرد طالب نشط، بل كان صوتاً لمبادرة "أسطول الصمود المصري"، التي سعت لكسر الصمت العربي وتسيير سفن إغاثة لغزة. هذه الحركة الشبابية، التي انطلقت بجهود ذاتية، وضعت السلطة المصرية في حرج بالغ؛ فهي من جهة تدعي دعم القضية، ومن جهة أخرى تغلق المعابر وتنسق أمنياً مع الاحتلال.
ويبدو أن السلطة رأت في نشاط حسام وزملائه "تجاوزاً للخطوط الحمراء" المرسومة بعناية، والتي تقضي بحصر التضامن في البيانات الباهتة أو التبرعات عبر القنوات الرسمية فقط (مثل صندوق تحيا مصر)، مع حظر أي حراك شعبي مستقل قد يتطور لشارع غاضب، لذا كان لا بد من "ضربة استباقية" بفصل المتحدث باسم الحملة ليكون عبرة لغيره.
الجامعات في قبضة الأمن: مسلسل "تكميم الأفواه" مستمر
قضية حسام محمود ليست حدثاً معزولاً، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من استهداف الحركة الطلابية المناصرة لفلسطين. فمنذ اندلاع العدوان على غزة، وثقت منظمات حقوقية عشرات الحالات لطلاب تعرضوا للاعتقال أو الفصل أو التهديد بسبب ارتدائهم للكوفية أو تنظيم وقفات تضامنية، كما حدث مع مؤسسي حركة "طلاب من أجل فلسطين" (زياد البسيوني ومازن دراز) الذين واجهوا تهماً بالإرهاب لمجرد دعمهم للمقاطعة.
هذا النهج المنهجي في "تجفيف منابع التضامن" داخل الحرم الجامعي يكشف عن وجه قبيح للسلطة التي تخشى وعي الطلاب أكثر مما تخشى العدو الخارجي، محولة الجامعات إلى مؤسسات تابعة للأجهزة الأمنية، حيث يُفصل الطالب المتفوق أخلاقياً ووطنياً، بينما يُحمى الفاسدون.
مستقبل مرهون بكسر حاجز الخوف
إن فصل حسام محمود هو رسالة ترهيب مباشرة لكل طالب يفكر في الخروج عن النص الرسمي، مفادها أن ثمن التضامن مع غزة قد يكون مستقبلك الدراسي. لكن استمرار الطلاب في ابتكار وسائل للمقاومة والمقاطعة، رغم كل هذا القمع، يثبت أن "أسطول الصمود" ليس مجرد سفن، بل هو حالة وعي عصية على الفصل أو الاعتقال. وتبقى وصمة العار تلاحق إدارة جامعة القاهرة التي ارتضت أن تكون "جلاداً" في يد السلطة بدلاً من أن تكون حصناً للحريات.

