في تدوينة جريئة نشرها على صفحته الشخصية على فيسبوك، وجّه زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق، انتقادات حادة للانتخابات النيابية التي جرت في مصر، محذراً من أن البرلمان القادم سيظل "غير ممثل لإرادة الشعب" و"معيباً في نظر الناس" حتى بعد التدخل الرئاسي وإعادة التصويت في 19 دائرة.
وقال بهاء الدين في مقاله المنشور في صحيفة "المصري اليوم": "أخشى أن يظل البرلمان القادم، حتى بعد تدخل عبدالفتاح السيسي وإعادة التصويت في 19 دائرة، غير ممثل لإرادة الشعب، ومعيباً في نظر الناس، وهذه هي الأسباب".
التدوينة، التي حملت عنوان "مأزق الانتخابات"، تكشف أزمة عميقة في النظام الانتخابي المصري، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية العملية الانتخابية وقدرة البرلمان القادم على تمثيل إرادة الشعب والقيام بمهامه التشريعية والرقابية.
رسالة السيسي للهيئة الوطنية: ارتياح شعبي لكن هل يكفي؟
يشير بهاء الدين إلى أن رسالة السيد رئيس الجمهورية إلى الهيئة الوطنية للانتخابات لاقت ارتياحاً في البلد لتناولها مخالفات انتخابية كانت محل امتعاض الناس طوال الأسبوعين الماضيين، خاصة بعد أن قررت الهيئة إعادة التصويت في 19 دائرة.
لكنه يطرح السؤال المحوري: هل ستنجح هذه التطورات المفاجئة والمتلاحقة في وضع الانتخابات على مسارها الصحيح، أو تحسين صورة البرلمان القادم في أذهان الناس؟ وهل ستحقق هدف الكشف عن إرادة الناخبين كما وجه السيد الرئيس؟
وإجابته واضحة وحاسمة: "للأسف لا أظن ذلك. بل أخشى أن يظل البرلمان القادم، حتى بعد هذا التدخل، غير ممثل لإرادة الشعب، وأن يظل معيباً في نظر الناس".
خمسة أسباب تجعل البرلمان "معيباً" رغم التدخل الرئاسي
يسرد بهاء الدين خمسة أسباب تجعل البرلمان القادم معيباً في نظر الناس، حتى بعد إعادة التصويت:
أولاً: نظام القائمة المطلقة يلغي مفهوم الانتخاب
يقول بهاء الدين: "العيب الأساسي في تشكيل المجلس هو نظام القائمة المطلقة الذي يلغي مفهوم الانتخاب من الأصل، ويستغني عن إرادة الشعب، ويستبدل بها اتفاقات ومساومات لتشكيل قائمة واحدة لا يحتاج أعضاؤها لانتخابات ولا لناخبين. وهذا لم يتغير."
هذا النقد الجوهري يضع إصبعه على جرح النظام الانتخابي بأكمله: نظام القائمة المطلقة الذي يفرغ الانتخابات من مضمونها، ويحولها إلى مسرحية تُحسم نتائجها قبل أن يدلي الناخبون بأصواتهم، من خلال اتفاقات ومساومات بين النخب السياسية بعيداً عن إرادة الشعب.
ثانياً: إعادة التصويت في 19 دائرة لن تحسن الصورة
يضيف بهاء الدين: "إعادة التصويت في 19 دائرة لن يحسن كثيراً من رؤية الناس للبرلمان القادم أو يغير اعتقادهم بأن التجاوزات الانتخابية كانت السمة الغالبة في معظم الدوائر."
بمعنى آخر، المشكلة ليست محصورة في 19 دائرة فقط، بل منتشرة في معظم الدوائر، وإعادة التصويت في عدد محدود منها لن يغير من الصورة العامة للعملية الانتخابية التي شابتها التجاوزات.
ثالثاً: الهيئة الوطنية في وضع محرج
يوجه بهاء الدين نقداً لاذعاً للهيئة الوطنية للانتخابات، قائلاً: "وضع الهيئة الوطنية للانتخابات صار محرجاً. فهي هيئة مستقلة بحكم القانون، ولكنها لم تحرك ساكناً حيال المخالفات الظاهرة إلا بعد إعلان السيد رئيس الجمهورية عن موقفه. وهذا التراخي أساء لها وانتقص من مصداقيتها."
هذا النقد يكشف أن الهيئة لم تكن مستقلة فعلياً، وأنها لم تتحرك إلا بعد تدخل رئاسي، ما يعني أن استقلاليتها المفترضة مجرد حبر على ورق.
رابعاً: مخالفات جسيمة تستدعي محاسبة
يؤكد بهاء الدين أن "الواضح أننا لسنا بصدد تجاوزات بسيطة، بل مخالفات جسيمة. ولو لم تكن كذلك لما استدعت تدخل أعلى سلطة في البلد."
ويطرح أسئلة حاسمة: "فهل ينتهي الأمر بمجرد إعادة التصويت في بعض الدوائر، أم أن هناك تحقيقات مطلوبة، وكشف عن مصادر الأموال المدفوعة، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى؟"
هذه الأسئلة تكشف أن المطلوب ليس فقط إعادة التصويت، بل محاسبة وكشف مصادر التمويل ومعاقبة المسؤولين.
خامساً: قرار إعادة التصويت قابل للطعن قضائياً
يحذر بهاء الدين من أن "قرار الهيئة بإعادة التصويت في 19 دائرة لن يضع نهاية للتنازع بشأن المخالفات التي وقعت لأنه قرار إداري، قابل للطعن عليه قضائياً، ما يعني أن الملف لن يُحسم بسرعة أو بسهولة."
وهذا يعني أن الأزمة قد تستمر لفترة طويلة، وأن الطعون القضائية قد تُعطل حسم الملف.
تشخيص دقيق لأزمة عميقة
تدوينة زياد بهاء الدين تمثل تشخيصاً دقيقاً لأزمة عميقة في النظام الانتخابي المصري، وتكشف أن المشكلة ليست في مخالفات التصويت فقط، بل في النظام الانتخابي نفسه الذي يلغي مفهوم الانتخاب من الأصل.
نائب رئيس الوزراء الأسبق لم يكتف بـالانتقاد، بل طرح حلاً يتمثل في برنامج إصلاح سياسي ونيابي شامل، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستستجيب حكومة الانقلاب لهذه الدعوة؟ أم ستكتفي بـإجراءات شكلية تُرضي الرأي العام مؤقتاً دون أن تحل المشكلة الجوهرية؟
التاريخ يُخبرنا أن الأنظمة الاستبدادية لا تُقدم على إصلاحات حقيقية إلا تحت ضغط شعبي أو أزمة لا يمكن تجاهلها. وحتى ذلك الحين، سيظل البرلمان المصري "غير ممثل لإرادة الشعب" و**"معيباً في نظر الناس"**، كما حذر زياد بهاء الدين.

