في فضيحة تهز أركان نظام الانقلاب العسكري، فجّر نادي قضاة مصر مفاجأة مدوية بإعلانه أن القضاة وأعضاء النيابة العامة لم يشاركوا من الأساس في الإشراف على انتخابات مجلس النواب 2025. هذا الإعلان يكشف حجم الكذب والخداع الذي مارسته الحكومة طيلة الفترة الماضية بادعاء "الإشراف القضائي الكامل" على العملية الانتخابية. بينما كان النظام يروّج لـ"نزاهة" و"شفافية" انتخابات خاضعة لـ"رقابة قضائية"، كانت الحقيقة المرة أن انتخابات مزورة تُدار بلا رقابة حقيقية، في ظل خروقات واسعة شملت الابتزاز المالي بعشرات الملايين والتلاعب الفاضح في النتائج.

 

بيان نادي القضاة: صفعة لادعاءات النظام

 

أصدر نادي قضاة مصر بيانًا رسميًا أكد فيه أنه "عملًا بأحكام الدستور، لم يتولَّ القضاة وأعضاء النيابة العامة الإشراف على انتخابات مجلس النواب لعام 2025". البيان أوضح أن الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات انتهى في 17 يناير 2024 بموجب المادة 210 من الدستور المصري لعام 2014 وتعديلاته في 2019، وأن الانتخابات البرلمانية لعام 2025 تُدار بواسطة الهيئة الوطنية للانتخابات "المستقلة" مع إمكانية الاستعانة بأعضاء من هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية فقط، دون مشاركة القضاء العالي أو النيابة العامة.

 

هذا الإعلان يفضح كذب الحكومة التي ظلت تروّج لوجود "إشراف قضائي" على الانتخابات، بينما الواقع أن النظام تخلّص من الرقابة القضائية الحقيقية عبر تعديل دستوري في 2019 سمح بإنهاء الإشراف القضائي الكامل بعد عشر سنوات. النتيجة: انتخابات تُدار بلا رقابة حقيقية، في ظل هيئة انتخابات "مستقلة" معيّنة من النظام نفسه.

 

السيسي يتدخل ويأمر بإلغاء 19 دائرة

 

في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصداقية العملية الانتخابية المنهارة، خرج السيسي بمنشور على "فيسبوك" يطالب فيه الهيئة الوطنية للانتخابات بـ"التدقيق التام" في الطعون، مهددًا بـ"إلغاء الانتخابات كليًا أو جزئيًا إذا اقتضى الأمر". هذا التدخل الفاضح في "استقلالية" هيئة الانتخابات جاء بعد انتشار فيديوهات موثقة للتزوير والخروقات في عشرات الدوائر الانتخابية.

 

استجابت الهيئة "المستقلة" فورًا لأوامر السيسي، وأعلن رئيسها حازم بدوي إلغاء نتائج الانتخابات في 19 دائرة انتخابية بـ7 محافظات (الجيزة، الفيوم، أسيوط، سوهاج، قنا، الإسكندرية، والبحيرة)، على أن تُحدد مواعيد لاحقة لإجراء التصويت مرة أخرى. الهيئة برّرت القرار بـ"مخالفات جوهرية" شملت "خروقات أمام لجان الاقتراع، عدم تسليم المرشح أو وكيله صورة من محضر الحصر العددي للأصوات، ووجود تفاوت في أعداد الأصوات بين اللجان الفرعية والعامة".

 

محمود جويلي: ابتزاز بـ20 مليون جنيه مقابل مقعد برلماني

 

أبرز فضائح الانتخابات كانت كشف المرشح المستقل المستشار محمود جويلي عن ابتزازه بـ20 مليون جنيه مقابل ضمان الفوز بمقعد البرلمان. جويلي نشر فيديو موثقًا قال فيه: "لم أتجاوز سقف الدعاية المحدد بـ500 ألف جنيه... وطُلب مني 20 مليون جنيه حتى أترشح على قوائم أحزاب معينة، أنا رجل محترم ولا أحتاج إلى الحصانة التي يسعى إليها الجبناء".

 

جويلي كشف أيضًا عن "الضغوط التي يتعرض لها فريق حملته"، مؤكدًا أن "هذه الضغوط مورست لصالح مرشح أحد الأحزاب الموالية للسلطة"، وأشار إلى "اعتقال أعضاء حملته بمجرد نشر مواد دعائية على مواقع التواصل". وكان جزاء جويلي على فضحه للفساد هو اعتقاله لمدة 24 ساعة قبل الإفراج عنه بكفالة مالية، في رسالة واضحة لكل من يجرؤ على كشف حقيقة "انتخابات النظام النزيهة".

 

خروقات موثقة بالفيديو: التزوير الممنهج

 

شهدت العملية الانتخابية خروقات واسعة موثقة بالفيديو والصور منذ انطلاقها. بدأت الفضيحة بقرارات هيئة الانتخابات التي "استبعدت جميع القوائم المستقلة، ورفضت ترشّح عدد من المستقلين على المقاعد الفردية"، ما أثار موجة انتقادات حول غياب معايير النزاهة. انسحب عدد من المرشحين احتجاجًا على "انعدام الشفافية ومخالفة القواعد المنظمة للانتخابات".

 

وفي محافظة المنيا، "أطلق أهالي مركز ديرمواس استغاثات لرئيس الجمهورية، أكدوا خلالها امتلاكهم مقاطع مصوّرة وصورًا لوثائق أظهرت حدوث تجاوزات واضحة داخل عدد من اللجان الانتخابية". الهيئة الوطنية نفسها اعترفت بتلقيها "88 تظلمًا" من دوائر فردية مختلفة، قبل أن تقرر إلغاء 19 دائرة بسبب "عيوب جوهرية تمس نزاهة ومشروعية عمليتي الاقتراع والفرز".

 

"استقلالية" الهيئة الوطنية: أضحوكة بأمر السيسي

 

المفارقة الأكبر أن السيسي في منشوره وصف الهيئة الوطنية للانتخابات بأنها "هيئة مستقلة في أعمالها وفقًا لقانون إنشائها"، بينما كان المنشور نفسه أمرًا رئاسيًا صريحًا بـ"التدقيق التام" وإمكانية "إلغاء الانتخابات كليًا أو جزئيًا". فكيف يمكن لهيئة "مستقلة" أن تتلقى أوامر مباشرة من رئيس الجمهورية بشأن كيفية التعامل مع الطعون؟

 

الأسوأ أن الهيئة استجابت فورًا لأوامر السيسي وأعلنت إلغاء 19 دائرة في أقل من 24 ساعة من منشوره، في تأكيد صارخ على أن "الاستقلالية" المزعومة ليست إلا واجهة لهيئة تعمل بأوامر مباشرة من القصر الرئاسي. هذا ما دفع الإعلامي إبراهيم عيسى للقول إن "بيان السيسي للهيئة الوطنية للانتخابات أفقدها أي نوع من الاستقلالية، وأفقد العملية الانتخابية شرعيتها".

 

مسرحية مفضوحة بشهادة القضاة أنفسهم

 

بيان نادي قضاة مصر كان صفعة قوية لنظام الانقلاب الذي ظل يكذب على المصريين بادعاء وجود "إشراف قضائي" على انتخاباته المزورة. الحقيقة التي كشفها القضاة أنفسهم: لا إشراف قضائي حقيقي، ولا رقابة مستقلة، ولا نزاهة في عملية انتخابية تُدار بأوامر رئاسية مباشرة. فضائح الابتزاز بـ20 مليون جنيه، والتزوير الموثق بالفيديو، واعتقال المرشحين، وإلغاء 19 دائرة، كلها تؤكد أن ما يحدث ليس إلا مسرحية هزلية الهدف منها إضفاء شرعية وهمية على برلمان مزور يخدم مصالح نظام عسكري فاشل.