وفي يونيو الماضي، نفّذت الحكومة صفقة "خاصة" مع بيت التمويل الكويتي لإصدار صكوك بـمليار دولار بعائد يقارب 8%، وهي نسبة فائدة مرتفعة تُضاف إلى عبء خدمة الدين. واللافت أن هذه الصكوك لم تطرح في الأسواق الدولية العامة بل بيعت بشكل مغلق، دون رقابة شعبية أو برلمانية أو شفافية.
1.2 تريليون جنيه فوائد: دولة تعمل لخدمة دائنيها
قال وزير المالية أحمد كجوك في أغسطس الماضي إن الإنفاق على الفوائد فقط تضاعف ليبلغ 1.2 تريليون جنيه، مقارنة بـ505 مليارات فقط في السنة المالية السابقة.
هذا الرقم الكارثي يعني ببساطة أن جزءًا ضخمًا من الموازنة مخصص لسداد فوائد وليس لإنفاق تنموي أو خدمات تعليم وصحة، أي أن الدولة تعمل من أجل خدمة ديونها لا من أجل مواطنيها.
بلغة أوضح: مصر باتت تقترب من مرحلة "عبودية الدين"، حيث يتم التضحية بكل شيء في سبيل إرضاء الدائنين.
وهم الاستغناء عن صندوق النقد: الواقع يفضح الترويج
يراهن بعض الخبراء الموالين للنظام على أن هذه الإصدارات قد تُغني مصر عن الاستدانة من صندوق النقد الدولي بعد 2026، وكأن الدائنين الجدد في أسواق المال الدولية أقل قسوة أو شروطهم أكثر عدالة!
الواقع أن السندات الدولية تُسعّر وفق مخاطر الدولة، وكلما ارتفع التصنيف السلبي، زادت الفائدة، وزاد العبء على الموازنة. وبالتالي فإن الاعتماد على هذه السوق لا يقل خطورة عن الاقتراض من صندوق النقد، بل قد يكون أكثر تكلفة وأقل شفافية.
كما أن الحديث عن تراجع الفائدة العالمية لا يزال رهين التوقعات، وأي تغير مفاجئ في الاقتصاد الأمريكي أو الأوروبي قد يعصف بأسواق الدين الناشئة، ومصر في مقدمتها.
الشعب يدفع.. بينما السلطة تشتري الوقت
سياسات الحكومة الاقتصادية تعكس فشلًا بنيويًا في إدارة الدولة، وتحويل الأزمات إلى فرص شخصية لدوائر السلطة والمستفيدين من المال العام.
إصدار السندات لا يعكس قوة اقتصادية بل حالة استدانة مزمنة، هدفها ليس التنمية بل تسكين الأزمات وتمديد عمر النظام على حساب المواطنين الذين يُطلب منهم شد الأحزمة بينما ينفق النظام بلا حدود على المشاريع الاستعراضية والعسكرة الشاملة للاقتصاد.
البلد لا يحتاج إلى قروض جديدة، بل إلى حكومة جديدة، تضع حياة الناس قبل خدمة الدين، وتبني اقتصادًا حقيقيًا لا دفتر ديون دولي يتضخم كل يوم.

