حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أنّ الجرائم اليومية التي ينفّذها المستوطنون الإسرائيليون ضدّ الفلسطينيين لم تعد حوادث فردية، بل سياسة رسمية ممنهجة تهدف إلى تكريس الضمّ الفعلي للضفة الغربية، تحت حماية مباشرة من جيش الاحتلال، وبغطاء سياسي من الحكومة الإسرائيلية.
وأوضح المرصد، في بيانٍ أصدرة أنّ الاعتداءات الدموية التي بلغت ذروتها مع موسم قطف الزيتون، تتنوع بين القتل العمد، وسرقة ثمار الزيتون، وإحراق الأراضي الزراعية، وتخريب الممتلكات الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ عشرات الهجمات نُفِّذت بحضور جنودٍ إسرائيليين أو بدعمهم المباشر.
وبيّن المرصد أنّ فريقه الميداني وثّق 324 اعتداءً نفّذها مستوطنون خلال 39 يومًا فقط (منذ مطلع أكتوبر وحتى 8 نوفمبر الجاري)، بمعدل ثمانية اعتداءات يوميًا، وهو معدل هو الأعلى منذ سنوات، في حين تجاوز عدد الأشجار التي أُحرقت أو اقتُلعت 4200 شجرة زيتون، وأُصيب أكثر من 143 فلسطينيًا في 77 قرية بالضفة الغربية.
وفي جريمةٍ جديدة، أشار الأورومتوسطي إلى أنّ المستوطن “أحمد ربحي الأطرش” أطلق النار على الشاب الفلسطيني قرب مدخل “رأس الجورة” شمال الخليل، ما أدى إلى استشهاده بعد منعه من تلقي الإسعاف، ليُضاف إلى حصيلة ضحايا المستوطنين التي ارتفعت إلى 13 شهيدًا منذ مطلع العام الجاري، و37 منذ أكتوبر 2023.
وأكد المرصد أنّ المستوطنين باتوا يعملون كميليشيات منظّمة، تنطلق من المستوطنات والبؤر العشوائية المنتشرة في أرجاء الضفة، وتنفّذ عمليات اقتحام وهجوم على القرى الفلسطينية، بحماية من الجيش الإسرائيلي، الذي يتولى تأمين مناطق الاعتداء ومنع المواطنين من الدفاع عن أنفسهم.
كما وثّق المرصد حوادث متكررة شملت قطع عشرات أشجار الزيتون في دير جرير شرق رام الله، وإحراق مساحات واسعة من أراضي عرابة جنوب جنين، والاعتداء على المزارعين في بيتا ونابلس وجنين، إلى جانب تهجير قسري لنحو 5200 فلسطيني من قراهم القريبة من البؤر الاستيطانية الجديدة.
وأضاف البيان أنّ الحكومة الإسرائيلية تعمل على تسليح المستوطنين ومنحهم الحماية القانونية والمؤسسية، في انتهاك صارخ لالتزاماتها كقوة احتلال بموجب القانون الدولي الإنساني. وأشار إلى أنّ نسب الإدانة في الجرائم التي يرتكبها المستوطنون لا تتجاوز 3%، ما يعكس سياسة الإفلات التام من العقاب، وتواطؤًا قضائيًا يهدف إلى تثبيت واقع الضمّ الميداني.
ولفت الأورومتوسطي إلى أنّ محكمة العدل الدولية كانت قد أكدت في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2024 أنّ عجز إسرائيل عن منع عنف المستوطنين أو محاسبة مرتكبيه، واستخدامها المفرط للقوة ضدّ الفلسطينيين، يشكّلان بيئة قسرية تُجبر الفلسطينيين على العيش في تهديد دائم، وتنتهك حقوقهم المكفولة في اتفاقية جنيف الرابعة والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
كما حذّر المرصد من أنّ نظام السيطرة الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يتخذ سمات جريمة “الفصل العنصري” (الأبارتهايد)، من خلال منظومة تمييز مؤسسي تستهدف إخضاع الفلسطينيين، وعزل تجمعاتهم، ومصادرة أراضيهم، بما يخالف اتفاقية مناهضة الفصل العنصري لعام 1973 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لتطبيق ما ورد في رأي محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية استمرار الاحتلال والنشاط الاستيطاني، داعيًا إلى وقف بناء المستوطنات، وتجريد الميليشيات الاستيطانية من السلاح، وإنشاء آلية حماية دولية فعالة للفلسطينيين في الضفة الغربية.
كما دعا المرصد المحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع تحقيقاتها في جرائم الاستيطان والعنف المنهجي والتهجير القسري والفصل العنصري، مؤكدًا أن الإفلات من العقاب يشجّع على مزيد من الجرائم ويقوّض ثقة الفلسطينيين في العدالة الدولية.
ميدانيًا: شهيد في طوباس وحملات اعتقال واسعة في الضفة
تزامنًا مع تصاعد عنف المستوطنين، استشهد الشاب عبد الرحمن أحمد عباس دراوشة (26 عامًا) برصاص قوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم الفارعة جنوب طوباس، بعد أن منع الجنود طواقم الإسعاف من الوصول إليه.
وفي سياقٍ متصل، شنّت قوات الاحتلال فجر الأحد حملة مداهمات واعتقالات واسعة في رام الله ونابلس وبيت لحم وجنين، طالت عدداً من الأسرى المحرّرين، بينهم والد الأسير المبعد ظافر برهم، والشابين إياد مسيمي ومحمد مبروكة في نابلس، إلى جانب اعتقال الطفل راكان عمارنة (13 عامًا) من بلدة يعبد في جنين بعد الاعتداء عليه بالضرب.
كما تصاعدت اعتداءات المستوطنين في مناطق متفرقة، إذ هاجم مستوطنون منازل المواطنين في سعير شمال الخليل، وقطعوا 70 شتلة زيتون في خربة التبانة، وأحرقوا أراضٍ زراعية في عرابة جنوب جنين، بينما اقتحمت قوات الاحتلال مدن البيرة وقلقيلية والخليل، ونفّذت عمليات تفتيش ومصادرة واسعة لتسجيلات الكاميرات.
ووفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، سجّل شهر أكتوبر وحده 766 اعتداءً من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين ضد المواطنين وممتلكاتهم، شملت الضرب المبرح، وإطلاق النار، والاعتقالات، وإحراق المنازل والمركبات، في تصعيد متواصل منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023.
دعوات لتحرك دولي عاجل
واختتم المرصد الأورومتوسطي بيانه بالتأكيد على أنّ السكوت الدولي إزاء تصعيد المستوطنين والاحتلال يعني قبولًا ضمنيًا بسياسة الضمّ والتهجير، داعيًا الأمم المتحدة والدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية إلى تفعيل آليات المحاسبة ووقف التعامل مع إسرائيل كدولة فوق القانون.
كما شدّد على أنّ استمرار العنف الاستيطاني وتواطؤ الجيش الإسرائيلي يشكّلان تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين، مؤكدًا أنّ ما يجري في الضفة الغربية هو “ضمّ تدريجي على الأرض” يتطلب تحركًا عاجلًا قبل فوات الأوان.

