في خطوة متسارعة تصفها الحكومة بـ "الإصلاحية"، بينما يراها خبراء الاقتصاد "تصفية" لمقدرات الدولة، صادق قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، على تعديلات تشريعية جديدة تهدف إلى تسريع وتيرة بيع الأصول العامة تحت مظلة "وثيقة سياسة ملكية الدولة".

 

هذه التعديلات، التي تمنح صندوق مصر السيادي صلاحيات شبه مطلقة لتجاوز الإجراءات البيروقراطية وبيع الشركات المملوكة للدولة بشكل مباشر، لا تمثل سياسة اقتصادية جديدة بقدر ما هي تتويج لمسار تشريعي امتد لعقد من الزمان، هدف بشكل منهجي إلى تفكيك الملكية العامة وتحصين صفقات البيع من أي مساءلة شعبية أو قضائية.

 

وبينما تروج الحكومة لهذه الخطوة كحل لجذب الاستثمارات وتوفير السيولة، يحذر منتقدون من أنها عملية بيع بالخسارة لأصول استراتيجية، تتم تحت ضغط صندوق النقد الدولي، وتهدد برهن مستقبل الاقتصاد المصري مقابل حلول مؤقتة لأزمة ديون متفاقمة.
 

 

عقد من القوانين لخدمة الخصخصة

 

لم تكن التعديلات وليدة اللحظة، بل هي الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة من التشريعات التي مهدت الطريق أمام "البيع السريع".

 

بدأ المسار في عام 2014 بإصدار القانون رقم 32، الذي حصّن عقود الدولة ضد أي طعن قضائي أو شعبي، مغلقًا الباب أمام الرقابة المجتمعية على صفقات الخصخصة. وفي عام 2018، تم إنشاء صندوق مصر السيادي كذراع قانونية للسلطة التنفيذية، مهمته نقل الأصول العامة إلى كيان مغلق بعيدًا عن أعين البرلمان، لإدارتها وبيعها بمرونة أكبر.

 

تلا ذلك صدور "وثيقة سياسة ملكية الدولة" في 2022، التي كانت بمثابة إعلان نوايا رسمي بتخارج الدولة من قطاعات اقتصادية حيوية. وجاءت قوانين 2025، مثل القانون 168 الذي ألغى الإجراءات السابقة للتصرف في أملاك الدولة، والقانون 170 الذي أزال القيود على بيع أسهم شركات القطاع العام، لتضع اللمسات الأخيرة على هذه المنظومة، محولة هدف "التخارج" إلى "تصفية عاجلة".

 

إملاءات صندوق النقد: بيع الأصول مقابل القروض

 

تأتي هذه السرعة في بيع الأصول كاستجابة مباشرة لضغوط وشروط صندوق النقد الدولي وشركاء مصر الماليين. فالحكومة، التي تواجه أزمة ديون خانقة وفاتورة خدمة دين متضخمة، تجد نفسها مضطرة لتوفير سيولة عاجلة بالعملة الصعبة بأي ثمن. ويرى خبراء، مثل محمد رمضان، الباحث الاقتصادي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن هذه القرارات هي "رسالة تأكيد على التزام الحكومة ببرنامج صندوق النقد الدولي" الذي شدد في مراجعاته الأخيرة على ضرورة تقليص حضور الدولة في الاقتصاد.

 

هنا تكمن المعضلة الأساسية؛ فالحكومة لا تبيع الأصول كجزء من رؤية اقتصادية طويلة الأمد، بل كإجراء اضطراري لتلبية متطلبات الدائنين. هذا النهج يعالج أعراض الأزمة (نقص الدولار) ولا يعالج أسبابها الجذرية، ويفرط في أصول استراتيجية تدر دخلاً مستدامًا مقابل أموال تُستخدم في سداد أقساط ديون، لتعود الأزمة للظهور مجددًا بعد فترة وجيزة ولكن مع أصول أقل.

 

من يشتري مصر؟ مخاطر البيع السريع

 

يثير تسريع عمليات البيع مخاوف جدية حول تقييم الأصول ونقل السيطرة على قطاعات حيوية لمستثمرين قد لا تتوافق مصالحهم مع المصلحة الوطنية. فالقطاعات المطروحة للبيع تشمل أصولًا استراتيجية في مجالات التشييد والبناء، الأسمنت، الحديد والصلب، والخدمات المالية، وهي قطاعات تسيطر الدولة على حصص مؤثرة فيها. السرعة في البيع تخلق "سوق مشترين"، حيث يكون المفاوض الأجنبي في موقع قوة، مما يهدد ببيع هذه "الجواهر" بأقل من قيمتها الحقيقية.

 

ورغم إنشاء "وحدة الشركات المملوكة للدولة" داخل مجلس الوزراء نظريًا لضمان الحوكمة، يشكك المراقبون في استقلاليتها الفعلية، ويرون أنها مجرد أداة إدارية لتنفيذ قرار سياسي تم اتخاذه مسبقًا. في غياب الشفافية والرقابة الحقيقية، يتحول برنامج الطروحات إلى عملية غامضة، تُباع فيها ثروة المصريين خلف أبواب مغلقة، تحت شعار براق هو "زيادة مشاركة القطاع الخاص إلى 65%". الحقيقة أن ما يحدث ليس شراكة، بل هو تصفية لممتلكات عامة بناها المصريون على مدى عقود، لصالح سداد ديون تراكمت بسبب سياسات اقتصادية غير مستدامة.