سادت حالة من الغضب العارم بين ملاك العقارات عقب صدور قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتمديد عمل لجان حصر المناطق التي تضم أماكن مؤجرة لغرض السكن لمدة 3 أشهر إضافية، ضمن إجراءات تنفيذ قانون الإيجار القديم.
ويأتي القرار، وفق مراقبين، ليؤجل مرة أخرى حسم واحدة من أكثر القضايا العقارية جدلًا في مصر، بعدما كان الملاك ينتظرون تطبيق زيادات الإيجار الجديدة اعتبارًا من نوفمبر الجاري، لتبدأ مرحلة استعادة جزء من حقوقهم الضائعة منذ عقود.
غضب الملاك: “القانون انتهى فلماذا التأجيل؟”
أعرب عدد من الملاك عن استيائهم الشديد من القرار، معتبرين أنه “طعنة جديدة في ظهر العدالة الاقتصادية”. وقال أحد الملاك لموقع المنصة: “اللجان دي مفروض تكون خلصت شغلها، إحنا خلاص انتهينا من القانون، فلماذا هذا التأجيل الجديد؟”.
وأضاف بحسرة: “حضراتكم عارفين إننا مش بنحصل إيجارات، تسوى إيه 250 جنيهًا لشقة قيمتها السوقية 5000 جنيه شهريًا؟”.
وتداولت صفحات ملاك العقارات على مواقع التواصل منشورات غاضبة، اعتبرت أن الحكومة “تُماطل في تنفيذ القانون وتؤجل استحقاقات الملاك لصالح المستأجرين”، متسائلين: “إلى متى تظل العدالة مؤجلة في هذا الملف؟”.
القانون واللجان: تصنيف للمناطق وتفاوت في الزيادات
وبحسب القانون الصادر في أغسطس الماضي، تختص اللجان الحكومية بتصنيف المناطق التي بها أماكن مؤجرة لغرض السكن إلى مناطق متميزة ومتوسطة واقتصادية، بناءً على الموقع الجغرافي ومستوى البناء والمرافق المتصلة بالعقار.
ويُفترض أن يكون هذا التصنيف هو الأساس الذي تُبنى عليه الزيادات الجديدة في الإيجارات، والتي حُددت كالتالي:
المناطق المتميزة: زيادة الإيجار بمقدار 20 ضعفًا من آخر قيمة إيجارية، وبحد أدنى 1000 جنيه شهريًا.
المناطق المتوسطة: زيادة الإيجار 10 أضعاف، وبحد أدنى 400 جنيه شهريًا.
المناطق الاقتصادية: زيادة الإيجار 10 أضعاف، وبحد أدنى 250 جنيهًا شهريًا.
أما بالنسبة للوحدات غير السكنية، فقد نص القانون على زيادة الإيجار بمقدار 5 أضعاف آخر أجرة قانونية، تبدأ من سبتمبر الماضي، مع زيادة سنوية بنسبة 15% لجميع الوحدات الخاضعة لأحكام القانون. كما حدد فترة انتقالية مدتها 5 سنوات للوحدات غير السكنية، و7 سنوات للوحدات السكنية، تنتهي بعدها العلاقة الإيجارية بالكامل مع إلزام الحكومة بتوفير بدائل سكنية للمستأجرين الأصليين قبل عام من انتهاء الفترة.
خلفية القرار: أسباب التأجيل
من الناحية الرسمية، لم تُصدر الحكومة تفسيرًا واضحًا لأسباب تمديد عمل اللجان، لكن مصادر في وزارة الإسكان تشير إلى أن التأجيل يعود إلى “الحاجة لاستكمال البيانات بدقة” و“مراجعة تصنيفات المناطق قبل إعلانها رسميًا”.
غير أن خبراء ومحللين اقتصاديين يرون أن الأسباب الحقيقية أعمق من ذلك، وتتعلق بالرغبة في تجنب موجة غضب شعبي متوقعة من المستأجرين الذين سيواجهون زيادات كبيرة في الإيجارات فور تطبيق التصنيفات الجديدة.
ويقول الخبير الاقتصادي محمود عبد الغفار إن “الحكومة تخشى أن يؤدي تطبيق الزيادات في هذا التوقيت الحرج — بعد تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار — إلى احتقان اجتماعي قد يصعب احتواؤه”، مضيفًا أن “التمديد هو محاولة لشراء الوقت وامتصاص الغضب الشعبي، وليس قرارًا فنّيًا بحتًا”.
توازن سياسي حساس
في المقابل، ترى الحكومة أن الملف يحتاج إلى تدرج وتوازن بين طرفين متضررين: الملاك الذين يعانون من تدني العوائد منذ عشرات السنين، والمستأجرين الذين يخشون الطرد أو العجز عن دفع الإيجارات الجديدة.
ويؤكد خبير التخطيط العمراني هشام الهلباوي أن “ملف الإيجار القديم أحد أكثر الملفات حساسية سياسيًا واجتماعيًا، إذ يمس أكثر من 3 ملايين أسرة، ما يجعل أي خطوة غير محسوبة قادرة على إشعال أزمة اجتماعية واسعة”.
تمديد مؤقت أم سياسة دائمة؟
يمثل قرار مدبولي التمديد الثاني خلال أقل من ستة أشهر، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة قادرة فعلاً على تطبيق القانون ضمن الجدول الزمني المحدد. فحتى الآن، ما تزال اللجان في العديد من المحافظات تعمل ببطء شديد في الحصر والتصنيف، وسط شكاوى من ضعف الكوادر وغياب التنسيق بين الجهات المعنية.
ويخشى الملاك أن يتحول التمديد المؤقت إلى حالة دائمة من التسويف، مما يفقد القانون فاعليته ويُبقي على الوضع المجحف كما هو عليه منذ عقود.
وأخيرا فبينما ترى الحكومة أن التأجيل خطوة “إجرائية” لضمان دقة التنفيذ، يرى الملاك أنه تلاعب بالوقت ومراوغة سياسية لتجنب مواجهة الحقيقة.
وفي ظل غياب الشفافية حول مخرجات اللجان وأسباب تأخرها، يبدو أن ملف الإيجار القديم سيظل ساحة مفتوحة للتجاذب بين الملاك والمستأجرين، وأن قرار رئيس الوزراء الأخير ما هو إلا فصل جديد من مسلسل تأجيل العدالة الذي طال انتظاره.

