تشهد مصر خلال الأسابيع الأخيرة اتساع رقعة الاحتجاجات العمالية في عدد من المحافظات، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، ما دفع آلاف العمال إلى تنظيم إضرابات واعتصامات للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، ووقف القرارات التي تمس حقوقهم المالية. وامتدت التحركات من بورسعيد إلى القاهرة مرورًا بالسويس وأسوان، لتشكل واحدة من أكبر موجات الغضب العمالي التي تشهدها البلاد منذ سنوات.

 

إضراب في شركة القناة لرباط وأنوار السفن ببورسعيد

 

في مقدمة الاحتجاجات، اندلع الأربعاء 29 أكتوبر 2025 إضراب شامل بمشاركة نحو 1500 عامل من شركة القناة لرباط وأنوار السفن التابعة لهيئة قناة السويس في محافظة بورسعيد، بعد أن أقرت إدارة الشركة تعديلات جديدة على اللائحة الداخلية تقضي بخفض أرباح العاملين بنسبة 25%، وتحويل جزء منها إلى صندوق الكوارث والأزمات، وتأجيل صرفها السنوي حتى نهاية عام 2027. كما شملت القرارات خفض الحافز الشهري من 15% إلى 10%، وهو ما أدى إلى تراجع أجور العاملين إلى قرابة النصف مقارنة بالشهر السابق.

 

وبعد دخول القرارات حيز التنفيذ بتوقيع رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب طارق مخاريطة، أعلن العمال الإضراب الشامل، وانضم إليهم زملاؤهم في فرع السويس، ليتحول الإضراب إلى اعتصام مفتوح ما زال مستمرًا حتى الآن.

 

وحاول وفد من العمال مقابلة رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في مقر الهيئة بالإسماعيلية لعرض مطالبهم، إلا أنهم أُبلغوا بانشغاله وطُلب منهم تحديد موعد لاحق، فعادوا إلى بورسعيد لمواصلة الاعتصام. وفي الأثناء، فرضت قوات الأمن طوقًا مشددًا حول مقر الشركة، ومنعت دخول وخروج الموظفين، كما رفضت الإدارة فتح أي حوار قبل إنهاء الاعتصام.

 

تضامن حقوقي وتحذيرات من القمع الأمني

 

أعلنت لجنة العدالة تضامنها الكامل مع العمال، مؤكدة حقهم في الاعتراض على تقليص الحوافز دون إشراكهم في القرار، ودعت إلى اعتماد الحوار والشفافية في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة. كما أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بيانًا اعتبرت فيه قرارات الإدارة "تعسفية ومخالفة لقانون العمل رقم 14 لسنة 2025"، الذي يُلزم أصحاب الأعمال بالمشاركة العمالية في القرارات الخاصة بالأجور والمكافآت.

 

وحذرت المفوضية من استخدام "القبضة الأمنية" في مواجهة الاحتجاجات السلمية، مطالبة بفتح تحقيق عاجل في قرارات الشركة، وإعادة العمل بالنظام السابق لصرف الأرباح والحوافز.

 

احتجاجات عمال الأمن في مشروع “مدينتي”

 

وفي تطور آخر، نظم عشرات من عمال الأمن بمشروع مدينتي التابع لشركة الإسكندرية للإنشاءات – إحدى شركات مجموعة طلعت مصطفى – وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية.

 

وشملت مطالبهم وقف العمل بنظام الـ12 ساعة اليومية دون أجر إضافي، وزيادة بدل الوجبة اليومية البالغ 30 جنيهًا، ورفع المكافأة السنوية إلى 90%، وتحويل العقود المؤقتة إلى دائمة.

 

وأوضح العمال أن رواتبهم تتراوح بين 6 و8 آلاف جنيه شهريًا، وأنهم يقضون ما يقرب من 23 يومًا متواصلة في مواقع العمل، ما يضطرهم لإنفاق جزء كبير من رواتبهم على الطعام والمواصلات. ودعت لجنة العدالة إدارة الشركة إلى فتح حوار عاجل لحل الأزمة وضمان حقوق العاملين.

 

استدعاءات أمنية لعمال مصنع سكر إدفو بأسوان


وفي محافظة أسوان، كشفت لجنة العدالة عن قيام جهاز الأمن الوطني باستدعاء عشرة من عمال مصنع سكر إدفو التابع لشركة السكر والصناعات التكاملية، لتحذيرهم من مغبة تنظيم أي احتجاجات مستقبلية.


وأكد عدد من العمال أن أحد الضباط أقر بأحقيتهم في بعض المطالب المتعلقة بالأجور، لكنه هددهم باتخاذ "إجراءات عقابية" حال تنفيذ إضراب أو اعتصام.

 

وأدانت لجنة العدالة هذه الممارسات، ووصفتها بأنها "أساليب ترهيب تتنافى مع الحقوق الدستورية في التعبير والتنظيم السلمي"، مطالبة وزارة القوى العاملة بالتدخل العاجل للنظر في مطالبهم العادلة.

 

وقفة لعمال النادي الأهلي احتجاجًا على تدني الأجور


وفي العاصمة، شهدت فروع النادي الأهلي في الشيخ زايد والتجمع ومدينة نصر وقفات احتجاجية شارك فيها مئات العمال والعاملات، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور المقرر قانونًا بسبعة آلاف جنيه. وقال العمال إنهم فوجئوا بصرف رواتب شهر أكتوبر بزيادة 400 جنيه فقط، رغم صدور قرار إداري من المدير التنفيذي للنادي سعد شلبي بتطبيق الحد الأدنى ابتداءً من سبتمبر الماضي.

 

وأوضحوا أن رواتبهم تتراوح بين 3500 و5000 جنيه رغم أن بعضهم تجاوزت مدة خدمته عشرين عامًا دون أي زيادات أو علاوات منذ عام 2017. وأصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات بيانًا أدانت فيه تجاهل إدارة النادي لتطبيق القانون، واعتبرت ذلك "مخالفة صريحة" تمس مئات العاملين، بينما يحصل كبار الإداريين واللاعبين على رواتب بملايين الجنيهات.

 

ودعت المفوضية وزارة العمل ومجلس الوزراء إلى فتح تحقيق عاجل ومتابعة تطبيق الحد الأدنى للأجور في جميع المؤسسات، مشددة على أن الالتزام به واجب قانوني لا يجوز تأجيله أو تجاوزه.

 

موجة غضب تتسع


تأتي هذه الاحتجاجات في وقت يواجه فيه الاقتصاد ضغوطًا متزايدة نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه، ما انعكس سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين، ودفع شرائح واسعة من العمال إلى المطالبة بمراجعة منظومة الأجور والحوافز.

 

ويرى مراقبون أن اتساع رقعة الغضب العمالي في قطاعات متعددة – بينها النقل والصناعة والخدمات والرياضة – يشير إلى تآكل القدرة المعيشية للطبقة العاملة، ويكشف عن تزايد التوتر الاجتماعي في ظل غياب حلول اقتصادية ملموسة.

 

كما حذرت منظمات حقوقية من أن تجاهل هذه التحركات أو التعامل الأمني معها قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية، داعية الحكومة إلى تبني حوار وطني شامل حول سياسات الأجور والعدالة الاجتماعية بما يضمن استقرار سوق العمل ويحفظ كرامة العمال.