تتسع رقعة الانتقادات الحقوقية في مصر على خلفية استمرار احتجاز العشرات من المواطنين، بينهم أطفال، لمجرد تعبيرهم السلمي عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ورفضهم للعدوان الإسرائيلي على غزة، في وقت ترفع فيه السلطات خطابًا سياسيًا مؤيدًا للقضية الفلسطينية على الساحة الإقليمية والدولية.

ففي بيانٍ، عبّرت منظمة عدالة لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ من استمرار حبس 131 مواطنًا على ذمة 14 قضية منظورة أمام نيابة أمن الدولة العليا، مؤكدة أن جميعهم لم يرتكبوا أي جريمة يعاقب عليها القانون، وأن السبب الوحيد لاحتجازهم هو تعبيرهم عن دعمهم الإنساني والسياسي للفلسطينيين.

وأوضحت المنظمة أن أوراق التحقيقات تكشف عن انتهاكات جسيمة لحقوق المتهمين، إذ تشير إلى أن بعضهم لم يتجاوز حدود النقاش عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي حول فكرة تنظيم أو المشاركة في "المسيرة العالمية إلى غزة"، دون تنفيذ أي فعل فعلي على الأرض، ومع ذلك تم توجيه اتهامات ثقيلة لهم، من بينها "الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة".

وأضاف البيان أن تجديد حبس هؤلاء المواطنين يجري بصورة آلية عبر جلسات "الفيديو كونفرانس" في محكمة بدر، دون تمكينهم من التواصل مع محاميهم أو المثول الفعلي أمام القاضي، في مخالفة واضحة لضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في الدستور والقانون المصري والاتفاقيات الدولية. وطالبت المنظمة السلطات بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع معتقلي قضايا دعم فلسطين وإسقاط الاتهامات الموجهة إليهم، مؤكدة أن استمرار حبسهم يمثل انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير والتضامن الإنساني.
 

أطفال في السجن بسبب كلمات التضامن
وفي سياق متصل، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن استمرار احتجاز ثلاثة طلاب في الصف الأول الثانوي للعام الثاني على التوالي داخل مركز شرطة سنورس بمحافظة الفيوم، بسبب منشورات عبّروا فيها عن تضامنهم مع غزة عبر الإنترنت. الأطفال الثلاثة — أحمد صلاح عويس محمود، وأسامة هشام فرج، وعبد الرحمن رجب أمين عبد القوي — جرى اعتقالهم عقب اقتحام منازلهم ومصادرة هواتفهم، ثم تعرّضوا، بحسب الشبكة، لتعذيب بدني ونفسي استمر قرابة شهرين قبل عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا في يونيو الماضي.

وقد وُجّهت إليهم اتهامات خطيرة تتعلق بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة" و"الإساءة إلى مؤسسات الدولة"، رغم عدم وجود أي دليل على ارتكابهم جرائم حقيقية. وأكدت الشبكة أن استمرار احتجازهم يُعد مخالفة صريحة لاتفاقية حقوق الطفل التي صدّقت عليها مصر، وطالبت النائب العام محمد شوقي بالتدخل العاجل لإطلاق سراحهم حفاظًا على مستقبلهم الدراسي والإنساني.
 

حبس طلاب وشباب بلا محاكمات
ووفقًا لمحامين وأسر المحتجزين، فإن القضايا المتعلقة بالتضامن مع فلسطين تتوزع على نحو 27 ملفًا منفصلًا وتشمل ما لا يقل عن عشرين محافظة، ما يعكس طابعًا واسعًا ومنهجيًا في ملاحقة أي نشاط أو تعبير شعبي متضامن مع غزة. وتشير البيانات إلى أن أغلب المعتقلين من طلاب الجامعات، حُرموا من الدراسة والامتحانات منذ أكثر من عام، في ظل غياب أي تحقيقات فعلية أو قرارات إحالة للمحاكمة.

ويواجه هؤلاء الشباب تهمًا متكررة بصياغات فضفاضة مثل: "الانضمام إلى جماعة إرهابية"، و"التحريض على التظاهر"، و"نشر أخبار كاذبة"، وهي اتهامات اعتادت الأجهزة الأمنية استخدامها لتقييد النشاط العام وقمع الأصوات المستقلة، بحسب تقارير حقوقية محلية ودولية.
 

انفراجة سياسية مشكوك فيها
تأتي هذه التطورات في ظل ما تصفه الحكومة بـ"الانفراجة السياسية"، التي رافقتها دعوات للحوار الوطني وإطلاق سراح عدد من سجناء الرأي عبر لجنة العفو الرئاسي. إلا أن استمرار احتجاز المتضامنين مع فلسطين، ومن بينهم طلاب وأطفال، يثير شكوكًا حول مدى جدية هذا الانفتاح المعلن، ويعزز الانطباع بأن حرية التعبير ما تزال مقيدة بشدة.

ويرى مراقبون أن المفارقة بين الدور الدبلوماسي النشط لمصر في دعم القضية الفلسطينية — والذي تُوّج برعايتها اتفاق وقف الحرب في شرم الشيخ — وبين ممارساتها الداخلية التي تُجرّم التضامن الشعبي مع غزة، تكشف عن ازدواجية صارخة في الخطاب الرسمي.
 

انغلاق سياسي وغياب للمساءلة
تحذر المنظمات الحقوقية من أن استمرار هذا النهج في التعامل مع قضايا الرأي، لا يهدد فقط صورة مصر الدولية، بل ينسف أيضًا الثقة الداخلية في المؤسسات القضائية والوعود الحكومية بالإصلاح. وتؤكد أن الإفراج عن المعتقلين على خلفية دعمهم لفلسطين سيكون اختبارًا حقيقيًا لجدّية الدولة في احترام الدستور وفتح المجال العام أمام المشاركة السياسية السلمية.

وفي ختام تقاريرها، شددت المنظمات الحقوقية على أن حرية التعبير ليست جريمة، والتضامن الإنساني ليس تهمة، داعيةً السلطات المصرية إلى مراجعة سياساتها الأمنية تجاه المواطنين، والإفراج عن جميع المحتجزين بسبب آرائهم السلمية، وإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان باعتبارها ركيزة أساسية لأي تحول سياسي حقيقي.