تحكي الكاتبة إعتماد شلح شهادتها عن الأمومة وسط الجحيم في غزة، عن لحظة الولادة التي تزامنت مع احتراق مدينتها، وعن محاولة البقاء في عالمٍ ينهار حولها.
نشرت شهادتها عبر موقع ميدل إيست آي، حيث تصف نزوحها في أكتوبر 2023 من حي التفاح إلى حي الشجاعية وهي في شهرها السابع من الحمل، بعد أن أصابها ألم شديد بسبب مغصٍ مراري تفاقم مع القصف والخوف. في المستشفى الذي غصّ بالجرحى والشهداء، قالت الطبيبة إن الألم سببه التوتر النفسي الناتج عن القصف الإسرائيلي المستمر، ونصحتها بالهدوء، لكن الحرب لم تترك لها فسحةً لذلك.
في اليوم التالي، أمرت إسرائيل أكثر من مليون مدني في شمال غزة بالنزوح إلى الجنوب. ومع غياب المأوى، حملت إعتماد ما تبقّى من أملها وغادرت مع زوجها ووالديها، تاركة وراءها البيت وملابس طفلها المنتظر. سارت الكيلومترات وهي تئن من الحمل، حتى وصلت إلى دير البلح، ثم إلى رفح، لتبدأ فصلاً جديداً من التشرد.
في ديسمبر، وبينما كانت تقيم في خيمة قرب مدرسة، داهمها المخاض في العاشرة ليلاً. حاول زوجها الاتصال بالإسعاف، لكن انقطاع الاتصالات بسبب القصف جعل الأمر مستحيلاً، فهرع هو وأخوها سيراً على الأقدام حتى وصلا إلى مستشفى الهلال. خلال الطريق، قصفت الطائرات شارعهم، فسقطت إعتماد من فوق سرير الإسعاف، خائفة على جنينها.
داخل المستشفى، تصف الكاتبة المشهد قائلة: "كانت الجثث في كل مكان، والقصف لا يتوقف." ومع ذلك، تضع مولودها ركان عند منتصف الليل في السادس عشر من ديسمبر 2023، وسط مزيج من الفرح والوجع. بينما تحتضن طفلها الأول، تسمع بكاء أمهاتٍ أخريات فقدن أطفالهن في الغارات ذاتها.
بعد الولادة، تلجأ أسرتها إلى منزلٍ مكتظ في دير البلح يؤوي 68 شخصاً، ثم تعود إلى المخيم. ومع توقيع هدنة في يناير 2025، تعود إلى الشمال لتجد منزلها نصف مهدّم، فتستقر في غرفة واحدة. تحاول أن تبني حياةً صغيرة وسط الركام، لكن إسرائيل تنقض الهدنة في مارس، وتلقي مناشير تطالب المدنيين بالنزوح مجدداً. تهرب الأسرة مرة أخرى نحو الجنوب، والكاتبة تكتشف أنها حامل بطفلها الثاني.
بعد أسابيع، تسمع أن جيش الاحتلال دمّر منزلها كلياً، ومحا حي التفاح من الوجود. تصف شعورها بالانكسار حين علمت أن ذكريات طفولتها وملابس ركان الأولى تحوّلت إلى غبار. ومع الحصار الخانق، ترتفع أسعار الحفاضات إلى ستة دولارات للقطعة، فتعجز عن شرائها، وتبدأ بتدريب طفلها الصغير على استخدام الرمل والماء لتنظيف نفسه لأن المراحيض في المدرسة غير صالحة.
تنتشر المجاعة، وتأكل إعتماد وجبة واحدة يومياً، بينما يضعف جسدها وتفقد الوزن، ويعاني ركان من سوء تغذية شديد. وحين يمرض بحمى والتهاب صدر حاد، تسهر بجانبه ليلتين كاملتين في مستشفى مكتظ بالأمهات والأطفال، دون نوم أو طعام.
بعد أسبوع، تبدأ آلام حملها الثاني، لكنها تقول إنها لم تعد تريد هذا الطفل الذي سيولد في عالمٍ بلا أمان. ومع ذلك، لا تجد خياراً سوى الاستمرار، فالمستشفيات منهارة، والأدوية نادرة. تتوقع أن تلد في ديسمبر القادم، الشهر نفسه الذي وُلد فيه ركان، لكن بجسدٍ منهك لم يتناول البروتين منذ شهور.
تعيش اليوم في خيمة، تطهو على نارٍ من الحطب، وتحلم بوجبةٍ دافئة وبيتٍ آمن. تقول: "عمري 25 عاماً، لكني أشعر أني في الخمسين. أريد فقط الهدوء، الأمان، والاستقرار الذي تستحقه كل عائلة في العالم."
تنتهي شهادتها بسؤالٍ موجع أكثر من أي إجابة: "أيّ عالمٍ سيستقبل طفلنا القادم؟"
سؤال لا تطرحه على القارئ فقط، بل على ضمير الإنسانية بأكملها.
https://www.middleeasteye.net/opinion/i-gave-birth-gaza-burned-what-world-will-greet-our-next-child

