كشفت صحيفة "تلغراف" البريطانية في تقرير تحليلي مطوّل عن التحوّلات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة الداخلية في قطاع غزة عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" حيز التنفيذ، مشيرة إلى أن ميليشيا "أبو شباب" – إحدى أبرز الجماعات العشائرية المسلحة التي كانت تنشط في جنوب القطاع – تواجه خطر الانهيار الكامل بعد فقدانها الدعم والغطاء الجوي الإسرائيلي، ودخولها في مواجهة مباشرة مع "حماس"، التي تسعى لتصفية كل المجموعات التي تعاونت أو تلقت دعماً من إسرائيل خلال الحرب الأخيرة.

 

وبحسب التقرير، فقد تغيّرت موازين القوى بشكل لافت بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق واسعة داخل غزة، حيث سارعت "حماس" إلى فرض سيطرتها الميدانية على المناطق التي كانت تشهد نفوذاً متزايداً للجماعات العشائرية المسلحة، معتبرة أن إنهاء نفوذ تلك المجموعات بات أولوية قصوى للحفاظ على وحدة القطاع ومنع تشكّل قوى موازية قد تهدد سلطتها لاحقاً.

 

وأشار التقرير إلى أن "حماس" شنّت هجوماً واسعاً على عشيرة دغمش – التي لم تكن ضمن المجموعات المتعاونة مع إسرائيل – في محيط مدينة غزة خلال الأسبوع الأول من الهدنة، حيث انتهت المواجهات بعملية إعدام جماعي لعدد من أفراد العشيرة أمام حشد من المدنيين.

 

وفي الوقت ذاته، واصلت "حماس" عملياتها الأمنية ضد مجموعات أخرى في الجنوب، أبرزها ميليشيا "أبو شباب"، التي كانت قد توسعت خلال الحرب بدعم إسرائيلي مباشر وغير مباشر.

 

وذكرت الصحيفة أن هذه الميليشيات، التي كانت تعتمد على الغطاء الجوي الإسرائيلي للحركة والإمداد، وجدت نفسها فجأة دون حماية، لتتحول إلى أهداف سهلة لهجمات قوات "القسام" الجناح العسكري لـ"حماس"، التي تمتلك مخزوناً كبيراً من الذخيرة والأسلحة الثقيلة والخفيفة، إضافة إلى طائرات مسيّرة هجومية صغيرة تستخدم في عمليات دقيقة لاستهداف مقاتلي الميليشيات في مناطق مفتوحة أو داخل منازلهم.

 

وأكدت "تلغراف" أن الحسابات التابعة لـ"حماس" على منصات التواصل الاجتماعي امتلأت خلال الأيام الأخيرة بمقاطع وصور توثّق تصفية عناصر من هذه المجموعات، إلى جانب مشاهد لأسلحة ومركبات تمت مصادرتها خلال العمليات، من بينها معدات عسكرية متطورة يُعتقد أن بعضها وصل إلى غزة عبر قنوات إسرائيلية خلال فترة الحرب لدعم العشائر التي قاتلت ضد الحركة.

 

وتضيف الصحيفة أن المعلومات المتقاطعة من داخل القطاع تشير إلى أن "حماس" لا تكتفي بالعمليات العسكرية فحسب، بل تعمل أيضاً على تطويق النفوذ الاجتماعي والسياسي للعشائر المسلحة عبر سلسلة من الإجراءات الأمنية والإدارية، من بينها تعيين لجان جديدة لإدارة المناطق التي كانت تخضع لسيطرة تلك المجموعات، وتكثيف الدور الدعوي والإعلامي في المساجد والمؤسسات المحلية لإعادة ترسيخ خطاب المقاومة في مواجهة ما تصفه الحركة بـ"المرتزقة العملاء".

 

وتختم "تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن ميليشيا "أبو شباب" باتت اليوم في حالة تفكك تام، بعد مقتل واعتقال معظم قادتها، وأن عناصرها المتبقين يفرّون من مناطق نفوذهم السابقة في جنوب غزة إلى مناطق أكثر أمناً أو يحاولون التفاوض على تسويات فردية مع سلطات "حماس" لتجنب الاعتقال أو التصفية.