في تصريحات لافتة أثارت غضباً عربياً واسعاً، قال بنيامين نتنياهو إن بلاده تعمل مع السعودية لإنشاء «ممرّ اقتصادي-طاقة» يربط شبه الجزيرة العربية بإسرائيل وصولاً إلى أوروبا، يشمل خطوط كهرباء، أنابيب طاقة، وربّما سككاً حديدية.

نتنياهو أضاف: «نحن على أعتاب اتفاق تاريخي مع السعودية… حتى إنّنا قد ننجز هذا الممرّ سواء وُقّع السلام الرسمي أو لم يُوقّع».

إن هذه التصريحات تكشف ما يُعدّ انعطافاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، لكنها في آن واحد تُثير تساؤلات أخلاقية وسياسية حول من يدفع الثمن الحقيقي لهذا الطريق: هل المستفيدون هم الشعوب العربية أم المشاريع الكبرى؟.

ما كشفه نتنياهو من خططٍ لربط السعودية بإسرائيل عبر ممرّاتٍ اقتصادية وطاقة ليس مجرد خبرٍ تقني؛ إنه فضيحةٌ سياسية تكشف الوجه الحقيقي لتحوّل الرياض من نصيرٍ معلنٍ للقضية الفلسطينية إلى شريكٍ جادّ في صفقةٍ إقليمية تُهمّش المقاومة وتضع مصالح الأنظمة فوق حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة.

التصريحات الإسرائيلية لم تعد حاجةً للترجمة: السعودية التي تتباهى بخطاباتها الرسمية المؤيِّدة للفلسطينيين تعمل عملياً على تسويق علاقات مع الاحتلال، وفي الخفاء تُهيئ الأرضية الاقتصادية والسياسية لهندسة استقرارٍ إقليمي على حساب الحقوق.

 

ماذا عن الفلسطينيين والمصالح العربية؟

منطق “الممرّ الاقتصادي-الطاقة” يُهمّش مطالب الفلسطينيين بأن يكون التطبيع مشروطاً بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

نتنياهو قال إن “الفلسطينيين يجب أن يتخلّوا عن حلم تدمير إسرائيل” كي يتحقّق السلام، لكنّ النجمة الحقيقية هي الشراكة الاقتصادية مع السعودية.

من جهة عربية، السعودية أكّدت رفضها ربط التطبيع مع إسرائيل بتجاهل القضية الفلسطينية، وأكدت أن “لا تطبيع من دون دولة فلسطينية”، وردّت على تصريحات نتنياهو التي طُرِحت عن نقل الفلسطينيين إلى السعودية بأنها “مسيئة”.

وهذا يوحي بأن هناك فجوة بين الأهداف المعلنة وبين الواقع السياسي، وأن التطبيع الاقتصادي يُقدَّم على أنه تقدم، لكنه يبقى صفقة مغلقة لدى النخب بعيداً عن شفافية الشعوب.

 

التطبيع أم التراجُع؟

تصريحات نتنياهو بشأن “ممرّ الطاقة مع السعودية” تُمثّل انعطافة كبيرة في العلاقات العربية-الإسرائيلية، لكنها في الوقت ذاته تضع فلسطين تحت جناح الاقتصاد الكبير، وتجعل الدول العربية مواقع عبور لمصالح غيرها.

إذا لم تكن هذه الشراكة العربية-الإسرائيلية تُرفق بشروط واضحة للسلام العادل، فإنها ستكون صفقة “ربح كبير للبعض” وخسارة للدنيا العربية والمطلَبات الوطنية.

 

من يدفع الثمن؟

ليست السعودية وحدها التي تكسب; من يربح حقّاً هي إسرائيل التي تحصل على غطاءٍ إقليمي يُسهّل سياساتها، بينما يخسر الفلسطينيون إطار الدعم العربي التقليدي. إن تحويل التطبيع إلى مشروع بنية تحتية للطاقة يعني تحويل الجغرافيا السياسية إلى شبكةٍ تخدم مصالح شركاتٍ وروّاد رأسماليين، لا شعوباً تبحث عن دولة وكرامة.

هذا التسهيل الاقتصادي لإسرائيل يعني عملياً جعل القضية الفلسطينية أقل تأثيرًا في معادلات القوة الإقليمية.

 

التبريرات المعلنة وغياب المساءلة

المتحدثون الرسميون عن «شراكات استراتيجية» يقدّمون وعودًا عامة عن سلامٍ إقليمي وتعاونٍ تقني، لكنهم يتجاهلون المطالب الأخلاقية والسياسية: ما ضمانات حقوق الفلسطينيين؟ من يضمن ألا تُستخدم هذه الصفقات لشرعنة احتلال طويل الأمد؟ الصمت عن هذه الأسئلة يعني موافقة ضمنية—أو على الأقل مهادنة—تستجيب لمنافعٍ آنية على حساب مبادئ مزعومة.

 

نداء للشفافية والمساءلة

على النخب العربية والمراقبين والمواطنين أن يطالبوا اليوم بما لم يُطلب بالأمس: شفافيات كاملة حول بنود أي اتفاق، مشاركة المجتمعات المدنية في نقاشات التطبيع، وربط أي تطبيع فعلي بتقدم ملموس في حقوق الفلسطينيين—دولة، حرية، وعودة كرامة. التطبيع بلا شروطٍ عادلة هو إملاءٌ من يملك القوة وليس خيارًا أخلاقيًا.

 

ختاما ففضيحة السعودية الكبرى ليست فقط في أنها تفكر بالاستثمار مع إسرائيل؛ الفضائح الحقيقية هي في أن هذا التفكير يُقدّم على حساب شعبٍ يُعاني، وفي أن يتم ذلك عبر صفقاتٍ تُحجب عن الرأي العام وتُنكّص من حقوق الفلسطينيين إلى بندٍ تفاوضي ثانوي.

إن التطبيع الذي لا يمرّ عبر بوابة العدالة لا يعدو أن يكون غطاءً جديدًا لشرعنة الاحتلال. وإذا كان نتنياهو يتباهى اليوم بالممرّ الاقتصادي،

فليفهم القادة العرب أن تاريخ الشعوب لا يُشترى بالصفقات، وأن العلاقة بين الأنظمة والشعوب ستُقاس غدًا بما إذا كانت الكرامة قد عادت أم لا.